إن الحل الناجع لأي مشكلة سواء كانت خاصة فردية أو عامة يبدأ في مواجهتها وليس تجاهلها أو الهروب منها. ومن هنا نقول: إن الارهاب لم يعد ظاهرة عابرة أو خاصة تنتمي إلى مكان وزمان محدد، أو تتعلق بمجتمع أو دولة دون سواها، ولا تقتصر على فرد أو على مجموعة من الأفراد يمارسون أعمالاً ارتجالية، بل علينا أن نعترف كي نتمكن من المواجهة والتصدي بشكل علمي ومعرفي مدروس ومؤسس على رؤية صائبة بأن الارهاب أصبح على مستوى العالم يشكل انجرافاً فكرياً يخضع لأيدلوجيا لها نظرياتها وتداعياتها ومرجعياتها تروج لها وتسخرها عقول منحرفة تخترع لها نظريات ومرتكزات تستطيع من خلالها تجنيد عناصر للتنفيذ تخضعهم لعمليات غسيل لأدمغتهم وإعمائهم عن جادة الصواب والعقل والحكمة، وتستغل في الوقت نفسه ظروفهم النفسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية الصعبة أو جهلهم لتجنيدهم، وقد بات مؤكداً أن الذين يقومون بتنفيذ عمليات إرهابية يعيشون حالة من الضياع والفراغ إلى درجة تتلاشى معها المفاهيم الدينية والأخلاقية والإنسانية في تركيبتهم النفسية ويصبح كل كائن حي وكل جهد حضاري عرضة للاستهداف في أي مكان، وفي أي زمان، وليس مقتصراً على دولة أو أمة بعينها. بمعنى أقرب فإن الارهابيين تملؤهم شهوة القتل والتخريب لكل ما هو حضاري في حياة البشر، ولو تتبعنا خلاصة هذا السلوك لوجدنا أنه يصب في المصالح الشخصية الضيقة للمتنفذين والمروجين للفكر الإرهابي المنحرف. ومن الظلم أن نحمل ذلك كله على رافعة دينية أو مذهبية بعينها، فالإرهاب كما يقال ليس له وطن ولا دين ولا أخلاق، بغض النظر اتفقنا أو لم نتفق على اعتباره كذلك. وما دام الأمر كذلك، والخطر داهم يستهدف الجميع دون استثناء تبرز الحاجة المؤكدة لتضافر الجهود الخيرة والصالحة من الجميع لمواجهة الارهاب، سواء كان في البلد الواحد ومع بلدان الجوار ودول العالم. من هذا الفهم الواعي كانت المملكة العربية السعودية سباقة لمد جسور التعاون مع دول الإقليم لتنظيم الصفوف وشحذ الفكر السليم ووضع استراتيجية واعية لتحقيق الانتصار. وليس أدل على ذلك من تلك الجهود التي نتابعها من خلال التعاون الفعال بين المملكة ودول مجلس التعاون الخليجي، ومن خلال الاجتماعات الدورية التي تبحث في هذا الأمر، وآخرها الاجتماع الخامس والعشرون لوزراء الداخلية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي انعقد في مدينة (أبو ظبي) في الإمارات العربية المتحدة، وخرج بتوصيات مهمة تعبر عن حرص الجميع على تجاوز هذه المحنة، والتأكيد على المواقف الثابتة لدول المجلس من هذه الآفة الخطيرة والمدمرة، وبأن الإرهاب ظاهرة فكرية متطرفة لا يرتبط بدين أو شعب أو أمة بل أصبح جريمة عالمية خطيرة، وأن أمر مكافحته والتعامل معه يتطلب تنسيقاً وتعاوناً إقليمياً ودولياً. وقد خلص المجتمعون إلى مجموعة من التوصيات والاتفاق على مواصلة مثل هذه الاجتماعات لتدارس المستجدات والتخطيط للأفضل، وسيكون الاجتماع ال26 على أرض المملكة بمشيئة الله في العام القادم. إن من أهم ما خرج به المجتمعون من قرارات وتوصيات هو تشكيل لجنة دائمة لمكافحة الإرهاب، وقد ترأس وفد المملكة في ذلك الاجتماع صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية الذي لخص بالكلمة التي ألقاها أبعاد خطر الإرهاب، وبين قواعد مواجهته والتصدي له على المستوى الإقليمي فقد قال سموه: (إن التعامل مع مقتضيات أمن دولنا واستقرارها ومواجهة ما يحيط بها من تحديات ومتغيرات نلمس أثرها فيه وتأثيرها عليه لا يمكن أن يتم من خلال بعد واحد، بل لابد أن يكون من خلال نظرة شاملة تستوعب كل الأبعاد والمؤثرات سواء كان ذلك في الجوانب الوقائية أو العلاجية أو التقويمية أو الردعية، وهو ما جعلنا نعمل في إطار من التنسيق والتعاون بين أجهزتنا الأمنية وصولاً إلى تكوين أرضية صلبة قادرة على مواجهة متطلبات أمن دولنا ومجتمعاتنا وصياغة منهج مثالي من التكامل والتنسيق المشترك). وتابع سمو الأمير نايف بن عبد العزيز حديثه لوزراء الداخلية بدول مجلس التعاون بقوله: (إن نجاح الجهد الأمني لا يتوقف على مستوى التنسيق بين أجهزتنا الأمنية فحسب، وإنما لابد أن تمتد جسوره إلى تحقيق تواصل مستمر وتنسيق مثمر بين هذه الأجهزة وكافة المؤسسات الاجتماعية والتربوية والإعلامية والفكرية). كما اتفق المجتمعون على أن الأنشطة الفكرية التي تقوم بها وتشجعها هيئة جائزة مجلس التعاون للبحوث الأمنية هي أنشطة مهمة وفعالة في عملية التنوير وفتح الآفاق المعرفية الصحيحة أمام الناس، كما أن عمل أجهزة الأمن بكل صنوفها للتصدي للإرهاب إنما يتجه لتحقيق أمن الوطن والمواطن أولاً وأخيراً. ومن الطبيعي أن يكون الشغل الشاغل لدول مجلس التعاون الخليجي هو في محيطهم العربي، وبما يجري في العراق من تدهور الوضع الأمني والأحداث الدموية ودعوتهم لكل الأطراف في العراق لتحكيم لغة العقل والالتزام بوثيقة (مكةالمكرمة) التي أجمع عليها كل الفرقاء. ولم ينس المجتمعون الشأن الفلسطيني حيث عبروا عن استنكارهم الشديد لما يحدث من حصار وتدمير وقتل وظلم ومجازر وحشية ترتكبها (إسرائيل) بحق الشعب الفلسطيني المؤمن والمناضل والصابر، ما يستدعي وقوف كافة القوى والفصائل الفلسطينية أمام مسؤولياتهم الوطنية والقومية التي تفرض وحدة الصف والمواقف وتغليب الحكمة لمصلحة الشعب الفسلطيني ولتحقيق ثوابته الوطنية. كما ركز المجتمعون على مسألة استكمال حلقة تنقل المواطنين بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون والإسراع في إصدار البطاقة الذكية والعمل بها. وعبروا عن مخاوفهم من المشروع النووي الإيراني وضرورة إيجاد حل سلمي لهذه المشكلة التي قد تؤثر على دول الجوار. إن هذه النشاطات الفعالة تنتمي إلى تأهيل وتفعيل المواجهة الاستباقية للارهاب وإفشال المخططات الارهابية قبل أن توقع ضررها على الأفراد الأبرياء وعلى اقتصاد وتقدم وتطور الوطن. نسأل الله أن يحفظ مملكتنا وولاة أمرنا من كيد الكائدين وحسد الحاقدين، وأن يديم علينا جميعاً نعمة الأمن والأمان إنه ولي ذلك والقادر عليه.