كل إنسان يتولى مسؤولية عامة أو خاصة.. لا بد له من الحرص في أن يكون سجل عمله نظيفاً من الشوائب.. ناصع البياض، حافلاً بالعطاء الجيد.. والنافع لدينه ولأمته ولمجتمعه.. مع أن طبيعة الحياة البشرية ليست معصومة دائماً وأبداً.. من وقوع خطأ، أو نقص، أو مأخذ من المآخذ.. وما أكثر ذلك في حياة الناس..! لقد مكثت أعمل في النادي الأدبي بالرياض قرابة (28) عاماً، عضواً مؤسساً.. ثم رئيساً للنادي.. في كل هذه الفترة الممتدة لم يقع أي خطأ يمس العقيدة أو القيم الإسلامية المرعية إلا مرة واحدة.. وأجزم أن الخطأ الذي وقع في تلك المرة لم يكن متعمداً من الزميل حتماً؛ ولكنه (فوات الحرص) كما يقال. نادي الرياض الأدبي أنشأ أمسية أدبية خاصة بالشباب شعراء وقاصين، يأتون إليه مساء الاثنين من كل أسبوع ومع كل منهم مشاركته في الأمسية قصيدة أو قصة أو قراءة لكتاب صدر حديثاً في الشعر أو في النقد أو في الأدب والثقافة عامة. كان يجتمع في هذه (الاثنينية) الأسبوعية ما بين (30 - 40) رجلاً، أغلبيتهم من الشباب الذين يستعرضون نتاجهم على بعض الأدباء والأكاديميين الذين يحبون ويأنسون لهذه الأمسية الشبابية الطرية. ويبدون ملاحظاتهم التي استفاد منها الشعراء الشباب وأخذوها بعين الاعتبار. ذات ليلة من ليالي هذه الاثنينية شارك شاب غير معروف للنادي وأعضائه، ويدّعي أنه طالب في جامعة الملك سعود بالرياض.. وأنه من دولة (الإماراتالمتحدة)!؟ شارك بقصيدة تفعيلية جيدة البنية الفنية.. ولكنها خبيثة المحتوى.. في قصيدة (زندقية) فيها مسٌّ بالذات الإلهية والرسالة المحمدية. القصيدة فيها كثير من الغموض كعادة (بعض الحداثيين) الذين يريدون أن يعبروا عن مشاعرهم ورؤاهم في هذه الحياة، ولكن بطريقة تبعدهم عن المؤاخذة والعقاب. لعل غموض هذه القصيدة هو الذي جعل (عين) مدير الاثنينية تَنِدُّ عن العبارات الكفرية الواضحة في هذه القصيدة، ربما أنه قرأها وهو مشغول الذهن.. فلم ينتبه إلى ما فيها من كفر بواح، ذلك هو ظننا فيه ونحن نعرفه جيداً بسلام عقيدته واستقامته ولا نزكيه على الله، وإذا كان لكل جاد كبوة؛ فإن لكل مجتهد هفوة أو غفوة! الشاب المنحرف لم يستطع إكمال قصيدته فقد هَبّ بعض الفضلاء والغُيُرُ على دينهم.. ومنهم الأستاذان أحمد يحيى بهكلي ومحمد منور وآخرون (خسْخَسُوا) لصاحب القصيدة وطردوه من النادي فوراً. لا شك أن مدير الاثنينية أصيب بصدمة نفسية حادة لما حدث! ولذلك اتصل بي.. وأنا ليلتها كنت في (جدة) أحضر حفل تكريمي من قبل سعادة الأستاذ عبد المقصود خوجة في (اثنينيته) العامرة.. التي صادف إقامتها وقوع ذلك الخطأ الاثنيني ليلة الثلاثاء 28-4-1412ه 4-12- 1991م، أخبرني الزميل مدير الاثنينية بالنادي قائلاً: (أتصل بك وأنا آسف على إزعاجك في هذا الوقت المتأخر من الليل ولكني مضطر قبل أن تسمع من غيري ما حدث.. لقد ألقى شاب يقال له (.......) قصيدة في أمسيتنا هذه الليلة، كنت قد قرأتها قبل أن يلقيها.. ولكني لم أفطن للعبارات النابية التي فيها مساس بالذات الإلهية وبرسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولعل غموضها النسبي هو الذي جعلني أجيز له إلقاءها دون تنبه مني بما احتوته من عبارات أبرأ إلى الله من قبولها. وحصل لها رد فعل إنكاري من الحاضرين الذين قاموا بطرده وإخراجه من النادي. ونظراً لما حدث أقدم لك استقالتي من الاثنينية.. وأنا وحدي أتحمل مسؤولية ما حدث). قلت له بعد أن أخبرني بكل التفاصيل: يا أخي هوّن على نفسك! فما حدث، حدث.. ولا راد لقضاء الله ولكن اطلب منك أن لا تتحدث إلى أحد من الناس بما حصل وتناس الموضوع وكأنه لم يحدث حتى أعود غداً - إن شاء الله - إلى الرياض.. ونتدبر الأمر بهدوء ورَويّة. * كنت واثقاً بأن (العيون والآذان) المغروسة في النادي ستوحي بما حدث إلى مَن يضخمها وينفخ بالوناتها لينال من النادي والقائمين عليه ما تشاء له نفسيته من إيذاء وتحريض.. ولكني لم أتصور أن تبلغ ما بلغت من اهتمامات المسؤولين الكبار وبعض العلماء.. كالشيخ الفاضل عبد المحسن العبيكان الذي هاجمنا في خطبة الجمعة، في مسجده بشارع الخزان. بعد الحادثة بأربعة أيام وقال - كما نقل لي - (كيف سمح رئيس نادي الرياض أن يلقى الكفر والزندقة في نادي عاصمة التوحيد؟) إلى آخر ما قال. وأخبرني بعد أيام أحد أقاربه بأنه عتب على الشيخ عبد المحسن ذلك الهجوم الصارخ دون أن يتصل برئيس النادي ليعرف منه مباشرة حقيقة ما حدث. كبرت القضية.! واتصل بي سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز وناقشني في الموضوع بأسلوبه الإنساني الرفيع، وخلقه الجميل وقال في نهاية مكالمته: (سيأتيك بعض الضباط المهذبين ليستكملوا معك التحقيق فيما حدث فلا تنزعج). يا له من رجل عظيم وإنسان كريم رحيم يندر وجود أمثاله من الرجال العظماء في أخلاقهم وإنسانياتهم..! تكرر علي حضور عدد من الضباط المهذبين حقاً.. إلى مكتبي في النادي. أعطوني ما لديهم من استفسارات شفوية وأعطيتهم الإجابات عنها كذلك. وانتهى الأمر بهذا الشاب الذي تكلم وكتب بما لا يغتفر.. إلى (القضاء) الذي حكم عليه بالسجن (10) عشر سنوات عقاباً له وإنذاراً لغيره. * وسمعت أن أهل الشاب خاطبوا المسؤولين في إطلاق سراحه بعد أن أكمل (8) ثماني سنوات في السجن وحفظ القرآن. نسأل الله العافية من مضلات الفتن، ومن الركض وراء الشهرة ولو بأعظم الذنوب.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.