رحمك الله يا سمو الأمير سعد بن خالد بن محمد بن عبدالرحمن آل سعود، رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته. * عندما تلقيت اتصالاً قبل صلاة الفجر يوم الأربعاء كانت صدمة كبيرة لما أكنه من محبة وتقدير واحترام لهذا الرجل الذي مهما قيل عنه لن يوفيه حقه. ولقد أخفيت عن والدي هذا الخبر حتى ظهر ذلك اليوم، فمن يعرف الأمير سعد بن خالد سوف يتأثر حتماً فكيف بوالدي الذي يبادله الحب والتقدير. *وطوال هذه الفترة التي كان موجوداً فيها في أمريكا للعلاج في رحلته الأخيرة كان التواصل مع أبنائه عبر التلفون والسؤال دائم عن حالته وكان آخره اتصال قبل عدة أيام بالأمير محمد بن سعد وطمأنا عليه. وأبناء الأمير سعد هم كنز من كنوز الأمير سعد -رحمه الله- فكانوا جميعاً برفقته وملازمين له ملازمة تامة، وهم -حفظهم الله- دائماً كذلك معه في سفره أو في رحلات القنص وأيضاً في مجلسه بجانبه، ويبادلون الأحاديث مع رواد مجلسه، فهم قد شربوا من نهل تعاليم والدهم فكيف لا يصبحون كذلك وهم قد فتحوا عيونهم على هذه الخصال الطيبة. * عندما تجلس أمام الأمير سعد بن خالد -رحمه الله- تعتقد أن الزمن توقف على هذا الرجل في الماضي بكل تفاصيل الماضي الجميلة من تواضع وكرم ونقاء سريرة وطيب المعشر، فهو عندما يحدثك يتكلم والصدق معه.. ولا أعتقد أنه يختار ألفاظه أو عبارته فهي تخرج من القلب دائماً، ولذلك فهي تدخل القلوب. * عندما يكون الحديث عن سيدي الأمير سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- تجد الأمير سعد بن خالد يتحدث عنه بكل محبة ويعدد محاسنه وخصاله التي لا تخفى على الجميع وكيف أن الأمير لا يرد شفاعة أو يتردد عن تقديم العون لكل محتاج أو السعي للصلح بين الناس أو أي مسعى في طريق الخير. * وأنا شخصياً رأيت مع من حضر في الجلسة الأسبوعية في قصر سيدي الأمير سلمان -حفظه الله- صلحاً تم بين طرفين وقد فرح الجميع بهذا الصلح. * سيدي الأمير سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- كان في قمة الوفاء وهو يستقبل في المطار جثمان الفقيد ويستقبل أبناءه وأفراد العائلة ويعزيهم ويواسيهم، ويشارك في حمل الفقيد ودفنه في مقبرة العود ويتقبل العزاء فيه. وهذا ليس بمستغرب على سموه -حفظه الله. * إذا التقيت بالأمير سعد بن خالد -رحمه الله- فكأنما التقيت بأهل الرياض جميعاً. وإذا دخلت مجلس الأمير سعد بن خالد -رحمه الله- فكأنما دخلت جميع بيوت الرياض. * رجل يبدأ يومه بصلاة الفجر ثم تناول وجبة الإفطار مع من يأتيه من رواد مجلسه من جميع الطبقات ثم يسأل عن الجميع، يبادر إلى زيارة المريض ويفرح لفرح الناس ويحزن لحزن الناس ويلبي دعواتهم. وعندما عرف بوفاة والده الشيخ عبدالله المطلق أخذ يسأل عن عنوان منزل الشيخ وذهب لتقديم واجب العزاء. * الأمير سعد بن خالد -رحمه الله- رجل امتلأ قلبه بحبه لهذه الأرض الطاهرة وبحب أهلها لذلك بادله الناس هذه المشاعر. * ومن الأمثلة على هذا الحب.. عندما ذهب مطلع الصيف إلى أمريكا وبقي ما يقارب ثلاثة أسابيع وأجرى بعض الفحوصات الطبية، طلب الرجوع إلى المملكة والبقاء فيها حتى خروج النتائج. * من الذكريات التي يرويها رحمه الله أن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- قام بزيارة للشيخ عبدالله خياط أثناء الدراسة وسأل الملك عبدالعزيز عن أسماء محددة ومن ضمنهم الأمير سعد بن خالد وقال الملك عبدالعزيز مداعباً الشيخ عبدالله خياط: (هؤلاء دوّر لهم عرقٍ عصاء جديدة). ويضيف رحمه الله أن هذا دليل على أن الملك عبدالعزيز - رحمه الله- متابع لنا ونحن صغار ويعرف كل شيء عن أحوالنا الدراسية. ويضيف: بعد سنوات كثيرة قابلت الشيخ عبدالله خياط في المسجد الحرام وذهبت للسلام عليه وذكرته بكلمة الملك عبدالعزيز وتذكرها. * أعرج على قصة رواها سيدي الأمير سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- عن الشيخ عبدالله خياط في مجلسه العامر. (سنوات طويلة عندما أرى الشيخ عبدالله خياط -رحمه الله- لا شعورياً أقف له وهذا مما أكنه له من محبة وتقدير وقيامه بواجب المعلم خير قيام). * أما آخر زيارة لي للفقيد فكانت قبل رحلته العلاجية الأخيرة بأيام وقد سأل عن والدي بعد تعرضه لوعكة صحية دخل على إثرها المستشفى وقال لي: ما منعني من زيارته إلا المرض. * من الجوانب الأخرى التي تعرفت عليها لديه -رحمه الله- حب القراءة والاطلاع وخصوصاً كل ما يهم المملكة، فهو رجل يمتلك معلومات قيمة وتاريخية وله أسلوب جميل في روايتها يشهد لك من يستمع إليه. وبحثت له عن كتاب والدي تراث الأجداد الجزء الثاني والذي تمت طباعته قبل 25 عاماً وأحضرته له وكان يقدر الوالد ويشجعه ويناديه ب(مؤرخنا) وقد قلت له - رحمه الله- إن كلامك عن والدي يعدّ وساماً على صدورنا جميعاً. * من الجوانب الأخرى معرفته بالصقور وهو من الأعلام في هذا المجال وحبه لهواية القنص. ** لحظة حزن مرت عليَّ وأنا في قصر سيدي الأمير سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- عندما نظرت إلى المكان الذي يجلس فيه الأمير سعد -رحمه الله- والذي تعودت أن أراه فيه حيث تجد الناس وقد التفت حوله للسلام عليه وهو أيضاً يبادلهم السلام والسؤال عن أحوالهم. * عندما دخل شهر رمضان المبارك تذكرت الأمير الراحل وهو الذي يفضل الصوم في الرياض بين أهله وأحبابه فكيف به يصوم بعيداً عنهم، ولكن هذه إرادة الله ولا راد لقضائه. رحم الله الأمير سعد بن خالد، رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وسيبقى في ذاكرة كل من عرفه وستلهج الألسن بالدعاء لسموه بالرحمة والمغفرة.