كم كانت الصدمة عنيفة، وكم كانت الغفلة مخيفة، وكم كانت اللحظة عصيبة ولكنها إرادة الله ولا راد لقضائه وقدره ولا نقول إلا {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }. كنت قد فقدت صوته الحنون منذ فترة طويلة ومرت بي أشهر، وأنا أختلس الفرص من الظروف والمشاغل للاتصال به فلم يكن هاتفه المحمول يستجب لتلك المحاولات المتقاطعة في أوقاتها، وفي كل مرة أعلل ذلك لسبب من الأسباب التي كانت في بالي وأعرفها عنه- رحمه الله- وأقول في نفسي ربما تأتي فرصة وألتقيه في مسجده الذي كان يصلي فيه، وأكون بذلك قد حققت رغبته الدائمة بزيارته حيث كان دائماً يطلب مني ذلك في كل اتصال يجري بيننا، ويلح عليه كثيراً غير أن شيئاً من هذا لم يحدث للأسف الشديد، ومرت الأيام بل الأشهر، وأنا لا علم لي بأبي أسامة، ولا خبر نظراً لانقطاعي في هذا العام عن كثير من المعارف، وبالذات من أهالي بلدته جنوبية سدير وعند دخول شهر رمضان المبارك رأيت الفرصة مناسبة لأبارك له بالشهر الكريم ولم أعلم بأنه قد رحل لربه الرحيم- وشاء الله- أن أتصل على هاتفه في أول شهر رمضان، وكان الرد في هذه المرة ولكنه ذلك الصوت الذي أنتظره حتى أني ظننت بأن خطأ قد حصل، وكان الذي رد من أهل بيته!؟ سألت وليتني لم أسأل: أبو أسامة موجود؟ وجاء الجواب مخيفاً: من أنت؟ قلت: فلان!! فجاء الجواب كالصاعقة علي وغير متوقع: أنه متوفى! فلم أستوعب الجواب من هوله وشدته على نفسي تلك اللحظة وجالت في خاطري صورته الجميلة وذكرياتي معه لا تنسى فأصبت بشيء من الذهول، وتاه فكري من ألم الخبر الذي جاء بعد أشهر مضت على وفاته - رحمه الله - وكنت حين علمت بالنبأ بعد حين في سيارتي، وأمام منزلي شرق الرياض استعد للنزول فلم أشعر بنفسي إلا وأنا وأقف أمام إشارة مرور في غرب الرياض!! حيث سرت تلك المسافة وأنا أسترجع وأترحم على ذلك الرجل العزيز على قلبي وصاحب القلب الحنون والنفس الطاهرة والنظرة الحانية إنه المرحوم عبد الله بن إبراهيم المفدي أحد أعيان جنوبية سدير رحمه الله وأسكنه فسيح جناته آمين آمين آمين عدد عدة العادين وصلى الله على سيد المرسلين.