تناقلت وسائل الإعلام المختلفة أقوال بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر, بشأن العقيدة الإسلامية والرسول - صلى الله عليه وسلم - والمتعلقة بمزاعم عن تجاهل الإسلام دور العقل ونشر تعاليمه بحد السيف, في محاضرة ألقاها بألمانيا حول الإيمان والعقل. وقد اقتبس بنديكت السادس عشر مقتطفاً من كتاب إمبراطور بيزنطي يقول فيه إن محمدا - صلى الله عليه وسلم - لم يأتِ إلا بما هو سيئ وغير إنساني, كأمره بنشر الإسلام بحد السيف. وقال البابا إنّ العقيدة المسيحية تقوم على المنطق لكن العقيدة الإسلامية تقوم على أساس أن إرادة الله لا تخضع لمحاكمة العقل أو المنطق, كما انتقد الجهاد واعتناق الدين مروراً بالعنف بلغة مبطنة. ومن منطلق تاريخي أضع القارئ أمام الفرق بين أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - وبين أتباع البابوية، ولا أقول اتباع المسيح من خلال القراءة في أحداث الحروب الصليبية من مصادر البابوية نفسها. يقول وليم الصوري عن مجازر البابوية وأتباعها التي ارتكبتها ضد المسلمين وهو أحد مؤرخي الصليبيين في كتابه تاريخ الحروب الصليبية (اندفعوا هنا وهناك خلال شوارع ومساحات المدينة مستلين سيوفهم, وبحماية دروعهم وخوذهم, وقتلوا جميع من صادفوا من الأعداء بصرف النظر عن العمر أو الحالة ودون تمييز, وقد انتشرت المذابح المخيفة في كل مكان, وتكدست الرؤوس المقطوعة في كل ناحية بحيث تعذر الانتقال على الفور من مكان لآخر إلا على جثث المقتولين, وكان القادة قد شقوا في وقت سابق طريقاً لهم بواسطة مسالك متنوعة إلى مراكز المدينة تقريباً وأحدثوا عندما تقدموا قتالاً لا يوصف. وتبع موكبهم حشد من الناس متعطش لدماء الأعداء ومصمم تصميماً كاملاً على إبادتهم), ج 1-436 . ويقول في موضع آخر من كتابه (تاريخ الحروب الصليبية), عن مجازر أتباع البابا ضد المسلمين في بيت المقدس: (وكانت المجزرة التي ارتكبت في كل مكان من المدينة مخيفة جداً وكان سفك الدماء رهيباً لدرجة عانى فيها المنتصرون من أحاسيس الرعب والاشمئزاز), ج1-436 . ويقول في موضع آخر مصوراً فيه بشاعة أتباع البابا وجرائمهم ضد المسلمين في بيت المقدس: (كان القسم الأكبر من الناس قد التجأ إلى ساحة الهيكل لأنها واقعة في قسم منعزل من المدينة, وكانت محمية حماية قوية بسور وأبراج وبوابات إلا أن هروبهم لم ينقذهم حيث تبعهم تانكرد على الفور بالجزء الأكبر من الجيش وشق طريقه إلى داخل الهيكل, ونقل معه حسب إحدى الروايات بعد مذبحة مخيفة كمية ضخمة من الذهب والفضة والجواهر. وعلم القادة الآخرون, بعد أن كانوا قد قتلوا من واجهوا في الأجزاء المختلفة من المدينة أن الكثير قد هربوا للالتجاء في الأروقة المقدسة للهيكل, ولذلك اندفعوا بالإجماع إلى هناك, ودخلت مجموعة كبيرة من الفرسان والرجالة قتلت جميع الذين كانوا قد التجؤوا إلى هناك. ولم تظهر أي شفقة لأي واحد منهم, وغمر المكان كله بدم الضحايا. لقد كان بالفعل حكم الله القويم الذي قضى على الذين دنسوا حرم المسيح بطقوسهم الخرافية, وجعلوه مكاناً غريباً بالنسبة لأهله المؤمنين أن يكفروا عن خطاياهم بالموت, وأن يطهروا الأروقة المقدسة بسفك دمائهم. وبات من المحال النظر إلى الأعداد الكبيرة للمقتولين دون هلع, فقد انتشرت أشلاء الجثث البشرية في كل مكان, وكانت الأرض ذاتها مغطاة بدم القتلى ولم يكن مشهد الجثث التي فصلت الرؤوس عنها والأضلاع المبتورة المتناثرة في جميع الاتجاهات هو وحده الذي أثار الرعب في كل من نظر إليها, فقد كان الأرهب من ذلك هو النظر إلى المنتصرين أنفسهم وهم ملطخون بالدم من رؤوسهم إلى أقدامهم. إنه منظر مشؤوم جلب الرعب لجميع من واجهوهم, ويروي أنه هلك داخل حرم الهيكل فقط قرابة عشرة آلاف من الكفرة (يقصد المسلمين) بالإضافة إلى المطروحين في كل مكان من المدينة والشوارع والساحات حيث قدر عددهم أنه كان مساوياً لعدد القتلى داخل حرم الهيكل. وطاف بقية الجنود خلال المدينة بحثاً عن التعساء الباقين على قيد الحياة, الذين يمكن أن يكونوا مختبئين في مداخل ضيقة وطرق فرعية للنجاة من الموت, وسحب هؤلاء على مرأى الجميع وذبحوا كالأغنام, وتشكل البعض في زمر واقتحموا المنازل, حتى قبضوا على أرباب الأسر وزوجاتهم وأطفالهم, وجميع أسرهم وقتلت هذه الضحايا, أو قذفت من مكان مرتفع حتى هلكت بشكل مأساوي) ج 1-437. ويشهد المؤرخ أنتوني برج, أحد أتباع البابوية مرة أخرى على مجازرهم ووحشيتهم ضد المسلمين وضد اليهود في بيت المقدس, في كتابه: تاريخ الحروب الصليبية: (وبعد فوزهم بالنصر العظيم وبعد الحرارة والخوف وسفك الدماء في اليومين أو الثلاثة الأخيرة في حالة شعور مفرط هستيري تقريباً, وبعد ذلك لم يشكوا لحظة في أن المسلمين المدافعين عن القدس كانوا كارهين للرب ومدنسين للأماكن المقدسة وعاملين لدى أعداء المسيح, وعابدين لشيء بغيض في مكان مهجور ذكر في الإنجيل, ولذلك قاموا بقتل كل رجل وامرأة وطفل وجدوهم في المدينة بفرح وباطمئنان تامين, وهم يرون أنهم كانوا ينفذون إرادة الرب, ودامت المذبحة طوال الليل وقسماً من الليلة التالية, وعندما ذهب الراهب ريموند أوف أغليرز لزيارة منطقة الهيكل في صباح اليوم التالي وجدها قفراء مليئة بالجثث, بحيث إن المسجد الأقصى وعلى لوائه يرفرف علم تانكرد وقبة الصخرة كانا مليئين بجثث المذبوحين, الذين وصلت دماؤهم لمستوى الركب, أما الناجون وحدهم من المدينة فكانوا الحاكم وطائفة من حرسه الذين سمح لهم ريموند بمغادرتها بعد دفع فدية ضخمة وتسليم خزائن هائلة, وذبح الباقون بمن فيهم اليهود الذين حشدوا في معبدهم الرئيسي ثم أضرمت النار في المبني وهم أحياء, وعندما لم يبق من يقتلونه سار المنتصرون خلال شوارع المدينة التي لا تزال مفروشة بالجثث وتفوح منها رائحة الموت, إلى كنيسة القيامة لتقديم الشكر للرب لرحمته العظيمة المتنوعة, ومن أجل انتصار الصليب الذي فازوا باسمه). أما تعاملهم مع مقدسات المسلمين ومنها المسجد الأقصى نفسه فقد اقتطعوا محرابه وجعلوه مكاناً للقمامة والخنازير, وهدموا في مباني المسجد وجعلوا بعضها مساكن لهم, وبنوا فيه أبنية أخرى تخدم قسسهم ورهبانهم ومنع المسلمون من الصلاة فيه, هذا إن كان قد بقي مسلمون. أما أخلاق المسلمين من أتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - فليس البابا مرجعاً لتعليم العالم بها والحديث عنها, فنحن نعرفها من تاريخ الفتوح الإسلامية وخصوصاً فتح بيت المقدس والأحداث التي تبعته وتحدث عنها مؤرخو النصارى البيزنطيين, وعلى البابا أن يتذكر ويقرأ في كتب البابوية كيف دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه صاحب محمد - صلى الله عليه وسلم - وتلميذه بيت المقدس متواضعاً بسيطاً لم يرق قطرة دم واحدة، ولم يعتد على كنائسهم, ولا على حقوقهم بل ضمنها لهم بل ورفض أن يصلي في كنيسة القيامة خوفاً من أن يعتدي عليها أحد من المسلمين (بعد ذلك وكانت جيوش عمر وبقية خلفاء المسلمين من بعده تحرس كنائس النصارى أثناء أعيادهم خوفاً من الاعتداء عليها من حديثي الإسلام من النصارى أنفسهم). وقد استمر المسلمون يراعون معاهدة عمر بن الخطاب في فتح بيت المقدس حتى لحظة استيلاء الصليبيين على بيت المقدس، وذلك في يوم جمعة من سنة 492ه الموافق 15 حزيران 1099م التي ذكرنا ما فعل الصليبيون أتباع البابوية بالمسلمين بعدها. وامتداداً لأخلاق محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن صلاح الدين حينما أعاد فتح بيت المقدس لم يقتل الصليبيين المعتدين الذين أجرموا في حق المسلمين كما ذكرنا, بل إنه بعد هذا الفتح تسامح معهم ولم يقتل، فأخرج من أراد الخروج بمبالغ رمزية متفق عليها معهم ووفّى المسلمون للنصارى بعهودهم رغم قدرتهم على أخذ أموالهم وحصد أرواحهم, وبقيت كنائسهم على ما هي عليه سوى ما أخذوه من مساجد المسلمين, وقد خرج كثير من كبرائهم وقوادهم وأمرائهم بأموالهم ولم يدفعوا عن ضعفائهم, وعلى رأس هؤلاء بطريرك القدس وجمع كبير من رجال الدين النصارى, وبذل بعض أثرياء المسلمين من أموالهم فدية عن النصارى. وقد كان صلاح الدين - رحمه الله - رحيمًا بالضعفاء والأرامل وأعزة القوم الذين ذلوا فقد كان في القدس بعض نساء ملك الروم وقد ترهبنت وأقامت به ومعها من الحشم والعبيد والجواري خلق كثير, ولها من الأموال والجواهر النفيسة شيء عظيم، فطلبت الأمان لنفسها ومن معها فأمنها وسيرها بأموالها وبمن معها. وكذلك خرجت زوجة ملك نصارى بيت المقدس, وكانت مقيمة بالقدس مع مالها من الخدم والجواري فاستأذنت السلطان في الاجتماع بزوجها الأسير عند المسلمين في نابلس فأذن لها فتوجهت إليه وأقامت عنده. وخرج البطريرك الكبير الذي للفرنج ومعه من أموال البيع والكنائس ما لا يعلمه إلا الله تعالى, وكان له من المال مثل ذلك, فلم يعرض له السلطان, فقيل له (خذ ما معه لتقوي المسلمين فقال: لا أغدر به) ولم يأخذ منه سوى عشرة دنانير وهي ما يؤخذ من الأفراد العاديين. وسير جميع من يريد الخروج من الفرنجة ومعهم من يحميهم إلى ميناء صور ليركبوا إلى أوروبا آمنين على أموالهم ودمائهم رغم قتلهم وسلبهم المسلمين. ويثني المؤرخون جميعًا غربيين وشرقيين, على الموقف النبيل الذي وقفه صلاح الدين أثناء فتح بيت المقدس ويتحدثون بإعجاب شديد عن توزيعه المال والدواب على المرضى والمسنين والمحتاجين من الفرنجة, وعن إكرامه النساء ورأفته بالأطفال ورعايته للضعفاء منهم، ويشهدون بأن جنوده كانوا على قدر كبير من المروءة والشهامة, فلم يقع في هذا الحادث التاريخي الخطير أي أمر من الأمور التي تقع عادة في مثل هذه الظروف على أيدي الجنود المنتصرين, والتي وقع كثير منها عندما احتل الفرنجة القدس. وليرجع البابا إلى المصادر الأوروبية التي تتحدث عن هذا الجانب, ويظهر أنه لا يقرأ التاريخ وإنما ينطق من قلب أعماه كره الرسول (صلى الله عليه وسلم). وإني أود تذكير البابوية بمحبة المسلمين العظيمة للمسيح عليه السلام وتبجيلهم له وإيمانهم بنبوته وصدقه وكرامته على الله، وأن من لا يؤمن بالمسيح رسولاً من عند الله فليس بمسلم ومن يسب المسيح عليه السلام يتصدى له المسلمون قبل النصارى ويدافعون عن عرض المسيح عليه السلام كما يدافعون عن محمد - صلى الله عليه وسلم - فهما بمنزلة واحدة, فأين البابا من الحوار؟ وأين البابا من معرفة حق المسلمين ونبيهم؟, وهو يتجاهل احترامنا لعيسى ورحمتنا بالآخرين أثناء الفتوح، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - هو الذي كتب إلى هرقل مستشهداً بقوله تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (64)سورة آل عمران. وإنني وغيري من المسلمين نتساءل: أين البابا من قتل المسلمين في فلسطين وفي العراق وأفغانستان والبوسنة وخصوصاً المدنيين منهم؟. فهل دماء المسلمين في نظره دماء مستباحة؟ وهل ما زالوا في نظره مجرمين حتى وهم يقتَلون ويبادون؟!.. كما أنني بهذه المناسبة أذكر إخواني المسلمين بتعاليم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأنه مهما فعل الحاقدون فنحن ينبغي أن نلتزم بأخلاق الإسلام ومن ذلك عدم الاعتداء على كنائس أو معابد النصارى وعدم الاعتداء على أرواح الناس، ونؤكد تمسكنا بأخلاق نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - فهي التي نشرت الإسلام.. كما أذكر خواني أن البابا وأمثاله يريدون منا الخروج عن سماحة الإسلام ليصدوا بذلك عن سبيل الله. وصلى الله على محمد وعلى المسيح عليهما السلام.