الكل منا يسمع ويشاهد بل ويمارس العلاج الوقائي من الأمراض، مثل التطعيمات الوقائية من الأمراض التي تصيب الأطفال عند الولادة وبعدها إلى سن سنتين، والتطعيم عند الحج وزيارة المناطق الموبوءة، ولا عجب في هذا بل هو من الأمور المحمودة التي تدل على وعي وحصافة فاعلها، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج. هذه الأهمية الكبيرة للعلاج الوقائي للأبدان، تزداد وتكبر إذا كانت هذه الجرعات تمس دين أبنائنا وأخلاقهم وسلوكهم، فالأبناء هبة الله تعالى للآباء، تسر الأفئدة بمشاهدتهم، وتقر العيون برؤيتهم، هم ريحانة الألباب وزهرة الحياة، وثمرة الفؤاد، وزينة العمر: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا....} (سورة الكهف 46). وقد أولى الإسلام هذا النوع من التربية أهمية كبيرة حيث أكد عليها في مواضع عدة من القرآن الكريم وسنة الرسول- صلى الله عليه وسلم- منها على سبيل المثال قوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ....} (سورة النور 30 - 31). فالأمر بغض البصر وعدم إطلاقه فيما لا يحل في الحقيقة هو إجراء احترازي ووقائي لما يترتب من أضرار عظيمة كألم القلب، وشقاء النفس، وما قد يفضي إليه من الزنا والعياذ بالله. فقوله تعالى {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى...} (سورة الإسراء 32)، تحريم للزنا، ولما قد يفضي للزنا، قال- صلى الله عليه وسلم-: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) متفق عليه. وقوله- صلى الله عليه وسلم-: (مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع) رواه الإمام أحمد وأبو داود. فأمر بالصلاة قبل التكليف من باب التعويد والتدريب له في صغره لكيلا تثقل عليه إذا كبر، وكذلك الأمر بالتفريق بينهما في النوم وقاية لهما من الاطلاع على عورات بعضهما. والأمثلة في هذا كثيرة، فيا أيها الآباء والأمهات خاصة ورجال التربية والتعليم عامة: إن أبناءنا هم عماد أمتنا وأمل حاضرنا، وعدة مستقبلنا، فلا تهملوهم حتى يقع منهم الخطأ، ويتكرر ثم يفيق الواحد منا على هذه المشكلة، ويبدأ يركض يمنة ويسرة، ويسأل كل من يقابله لعلاجها، ويبذل في سبيل ذلك ما يستطيع من جهد ومال، وفي النهاية لا يتوصل الى علاج مشكلة، وإن علاجها لابد وأن يبقى لها أثر في نفس صاحبها، مع أنه كان بالإمكان منع وقوعها أصلا، عن طريق التنبيه إليها والتحذير منها وبيان مخاطرها، فمن ذلك التأكيد على خطورة التدخين وبيان مضاره عند كل فرصة مناسبة تتاح للمربي، فيغرص في نفس الطفل كراهية التدخين وهو صغير فلا يقع في سمومه وهو كبير. ومن التربية الوقائية للأبناء: بيان أضرار أصدقاء السوء على دين المرء وخلقه وذكر بعض صفاتهم لكي يحذرهم ويتجنبهم، ولا يقف الأمر هنا فقط، بل يبحث له أصدقاء طيبين من أقربائه وجيرانه، ومما يجب أن نقي أبناءنا منه الأفكار المنحرفة والضالة عن صراط الله المستقيم، كأفكار من يكفر ولاة أمر المسلمين وشعوبهم، ويقلل من شأن العلماء الراسخين في العلم، ويزهدون في فتاويهم إذا خالفت أهواءهم، فيحذر ابنه ومن يربيه من خطورة هذا الفكر المنحرف لئلا يقع فريسة سهلة لشبههم وضلالهم من حيث لا يشعر. وإذا وقع من أحد أبنائك خطأ فبادر بعلاجه قبل استفحاله ونبه غيره عليه لكيلا يتكرر هذا الخطأ من الجميع، فالانتظار إلى حين وقوع المشكلة ثم محاولة علاجها خطأ في التربية وقصور فيها، فمنع وقوعها أسهل وأنفع للمتربي: فبسلوكها يتفرع المربي للبناء والتدرج في مراقي الكمال، أما إذا سيطر علاج المشاكل على التربية كثرت لغة النقد في الحديث فتترك حالة من الإحباط لدى المتربي، بل قد يصل الأمر إلى العقوبة لحل هذه المشكلة مما يولد نوعا من الجفا بين المربي ومن يربيه كأبيه أو معلمه. فالطفل ما دام صغيراً فهو قابل للتوجيه والتربية، ولكل ما ينقش على قلبه، ومائل لكل ما يمال إليه، فإن عود الخير وتعلمه نشأ عليه، أما إذا كبر شق الأمر وصعب على المربي التربية والتوجيه كما قال الشاعر: إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا يلين إذا قومته الخشب قد ينفع الأدب الاحداث في صغر وليس ينفع عند الشيبة الأدب فاحرص أيها المربي على بذر الفضائل، وغرس المكارم والمحامد، والأخلاق الحسنة في نفس من تربيه: ليعتاده في الصغر ويتخلقه في الكبر، فلا يزال ينمي مواهبه ويفعل طاقاته فيما ينفعه، أما إذا أهمل كثرت عليه المشاكل وتكالبت عليه الصعاب فلا يجد لها حلا، ولايصل منها إلى مخرج، فيصبح عنصرا غير فاعل في نفسه ومجتمعه. والله الهادي إلى سواء السبيل.