الأربعاء 15-7-1427ه الموافق 9-8-2006م يوم جميل من أيام أغسطس في ربوع منطقة عسير التي تتميز بجو خلاب خلال هذا الشهر من كل عام، السماء ملبَّدة بالغيوم، والضباب يملأ المكان، وصوت الرعد ومنظر البرق أمر اعتيادي في مثل هذه الأجواء الرائعة. وعند الخامسة مساءً وقف فواز وزميله عبدالرحمن وسارا للفرجة حول المكان، وفجأة دوَّى صوت انفجار رهيب هزَّ المكان وأرعب الجميع، والتفتنا وإذا الشابان ملقيان على الأرض، فأسرعنا إليهما ولكن القدر كان أسرع للغالي فواز والذي انتهى أجله في تلك اللحظة، أما زميله الآخر فقد كان واعياً إلا أنه لا يشعر بشيء من جسمه. الصاعقة ضربت فوازاً -رحمه الله وتقبله شهيداً- فلقد أحرقت ملابسه قبل أن تفرغ الشحنات الكهربائية العالية جداً في الأرض عبر جسمه الغض، وأصابت بعض الشحنات الثانوية صاحبه عبدالرحمن عبر الأرض المبتلة من المطر. نقل الاثنان بسرعة إلى أقرب مركز صحي وأجري لهما اللازم، هذه الحادثة الأليمة بينت أن وعينا جميعاً لخطر الصواعق ضعيف جداً!! وأننا لا نتخذ الاحتياطات اللازمة في مثل هذه الظروف. إننا كمسلمين لله رب العالمين نؤمن بأن ما يحدث في هذا الكون لا يخرج عن مشيئته سبحانه، وأن لكل أجل كتاباً وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. ولكننا كذلك مأمورون بأخذ الأسباب، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- (للرجل الذي أطلق إبله معتمداً على التوكل), اعقلها وتوكَّل، فالتوكُّل على الله لا ينافي الأخذ بالأسباب. ما هي الصواعق وكيف تحدث وما هي الاحتياطات اللازمة الواجب اتخاذها؟ يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاء وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} (43) سورة النور. ويقول: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ} (19) سورة البقرة. ويقول: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (20) سورة البقرة. ويقول: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} (12) سورة الرعد. {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} (13) سورة الرعد. وفي مسند الإمام أحمد حدثنا محمد بن مصعب حدثنا عمارة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول: من صُعِق تلكم الغداة فيقولون: صُعِق فلان وفلان. كيف تحدث الصواعق؟ تكتسب قطرات الماء شحنات موجبة عند تجمدها على هيئة حبات البرد في السحابة وعند تحولها إلى السيولة مرة أخرى، أو عند تبخرها وتكثفها، ويبقى الهواء المحيط بهذا الماء في أشكاله المختلفة مكتسباً شحنات سالبة، ولذلك فإن السحب تشحن كهربائياً باحتكاكها بالهواء، وتتجمع الشحنات الموجبة في أعلى السحابة وأسفلها حيث تتدنى درجة الحرارة إلى أربعين درجة مئوية تحت الصفر، بينما تتركز الشحنات السالبة في وسط السحابة حيث تقارب درجة الحرارة الصفر المئوي. ويحدث البرق كنتيجة للتفريغ الكهربائي بين منطقتين مختلفتي الشحنة في السحابة الواحدة، أو بين سحابتين متجاورتين، ويظهر على هيئة شرارات كهربائية تنتشر في السماء، وقد يكون التفريغ الكهربائي بين السحابة والهواء المحيط بها، وقد يحدث بين السحب والأرض وما عليها من مبان عالية أو أشجار، وتسمى هذه الظاهرة بالصاعقة لما تحدثه من صعق ودمار، ولمنع حدوث الآثار التدميرية للصواعق تثبت قضبان معدنية في أعالي المنشآت، وتوصل بالأرض عبر موصل جيد من الأسلاك المعدنية يحمل الشحنة الكهربائية الناتجة عن حدوث البرق إلى الأرض مباشرة دون أن تصيب المنشآت بأية أضرار، وتعرف هذه الشبكة من القضبان المعدنية الموصلة بالأرض باسم (مانعات الصواعق). ونتيجة لحدوث البرق يتمدد الهواء بسرعة، فيندفع الهواء المجاور ليحل محله محدثاً أصواتاً شديدة هي الرعد الذي قد تستمر الموجة الواحدة منه إلى عدة ثوان، ويصاحب حدوث العواصف الرعدية عادة سقوط أمطار ذات قطرات كبيرة، وقد تصاحب بحبات البرد. يعتقد علمياً أن هناك ما يقارب100 صاعقة على الأرض في كل ثانية، ولكن أين تضرب الصاعقة بالتحديد؟ أمر لا يمكن توقعه. بل ولا يمكن منعه. ولهذا إذا كنت خارجاً في منطقة بها نشاط صواعق فإن إصابتك محتملة، ولهذا فإن معرفتك بأساسيات الوقاية من الصواعق أمر أساسي لحمايتك بإذن الله، أو تخفيف الضرر في حالة الإصابة لا قدر الله. كيف تعرف أن الصاعقة قريبة منك؟ تزود المباني عادة وخاصة المرتفعة منها داخل المدن بنظام الحماية من الصواعق لاستقبالها وتفريغها في الأرض. ولقد بين المختصون أن الصاعقة من الممكن أن تصيبك إذا كانت تبعد عنك 12 كم تقريباً. حيث إن الصواعق قد تنزل رأسياً وقد تتحرك جانبياً إلى مسافة قد تصل إلى 12 كم قبل أن تضرب هدفها. ولهذا فإن السماء الزرقاء الصافية من الغيوم قد لا تكون آمنة. فإذا سمعت الرعد خذ حذرك وخذ الأمر بجد؟ ولكن كيف تستطيع بسهولة حساب بُعد الصواعق عنك؟ يمكن لك ذلك بحساب الوقت ما بين رؤيتك للبرق وسماعك للرعد فإن كل 5 ثواني تعادل (واحد ونصف كم). ولهذا فإنك إذا حسبت 40 ثانية فأقل بين البرق والرعد فإن الصواعق قريبة منك وخطورتها محتملة. خطوات الوقاية من الصواعق؟ من الأفضل دائماً الاتجاه فوراً إلى أقرب مبنى للاحتماء به، والصاعقة عادة تسبق المطر ولهذا لا تنتظر إلى بداية المطر لتأخذ احتياطاتك. اقفل جميع الهواتف المحمولة أو الأجهزة الكهربائية المحيطة بك. واتبع الخطوات التالية لتحمي نفسك بإذن الله: - ابتعد عن النوافذ والأبواب داخل المبنى. - لا تستخدم الهاتف إلا للحالات الإسعافية. - اسحب الأجهزة الكهربائية غير الضرورية وتجنب الاتصال أو الاحتكاك بها. - حاول الابتعاد عن حوض الغسيل بالمطبخ والمسابح والمرافق الصحية. أما إذا كنت في العراء فاتجه إلى السيارة وأغلق النوافذ. وإذا لم يكن حولك سيارة فاتبع التعليمات التالية: - تجنب الأماكن غير الآمنة مثل الخيام أو مظلات المطر وابتعد عن الأماكن المغطاة بالأسقف المعدنية. - الصاعقة تحاول التفريغ في الأجسام الطويلة والأماكن المرتفعة فاذهب إلى مكان منخفض. - ابتعد عن المسابح والأماكن الرطبة مثل: العشب، وكذلك الأسوار المعدنية. - اخفض جسمك إذا كنت في منطقة عارية، اجلس القرفصاء وأغلق اذنيك بيديك لحماية الأذن من الصوت، وتجنب الملابس السلكية. - ابق بعيداً عن الأشجار وخاصة المعزولة والطويلة. - تجنب المعادن ولا تمسك بأي قطعة أو أداة معدنية. - لا تقف بجانب الآخرين؟ وحافظ على مسافة لا تقل عن خمسة أمتار بينك وبين الآخرين. - الشخص المصاب بالصاعقة يجب أن يعطى تنفسا صناعيا عاجلا والإسعافات الأولية الضرورية، ولا تتردد لأن الشخص المصعوق لا يحتفظ جسمه بالكهرباء. لا تستأنف نشاطك مرة أخرى قبل نصف ساعة على الأقل من مشاهدة آخر صاعقة. متنزهاتنا الوطنية ودرجة الحماية المدنية يبذل الدفاع المدني في بلادنا جهوداً مشكورة في مجالات عدة، ومنها التوعية بمصادر الخطر للمدنيين, وكزائر مستمر طوال عشر السنوات الماضية لمنطقة عسير أشعر أن الجهود لابد أن تضاعف في التوعية بخطورة الصواعق، وخاصة المناطق الأكثر زيادة من المتنزهين مثل: متنزهات السودة والحلبة والمسقي في أبها وغابات رغدان في الباحة ومتنزه الوليد في النماص.. وغيرها من الأماكن التي يرتادها الناس، ويمكن ذلك بوضع لوحات إرشادية ثابتة في مداخل المتنزهات عن أساسيات الوقاية من الصواعق. كما يمكن أن تبث رسائل إعلامية متنوعة وبأساليب مختلفة تتزامن مع وقت الصيف وكثرة الصواعق. وقد تنقصنا الإحصائيات عن الوفيات والإصابات التي تحدث في بلادنا جراء الصواعق، ولكن بنظرة سريعة إلى بعض الوقائع المنشورة في وسائل الاعلام خلال فترة زمنية قريبة، يمكن أن نتوقع أن هناك خطرا فعليا من الصواعق. * جريدة الجزيرة السعودية 14-4-1427ه (صاعقة تقتل شابين..وتصيب ثلاثة في الطائف)، جريدة الوطن السعودية 15-7-1427ه (وقوع ثلاث حالات صعق وأمطار غزيرة وصواعق رعدية تثير الفزع بين أهالي جازان)، جريدة الرياض 17-7- 1427ه (فواز الشريدة إلى رحمة الله إثر صاعقة في منطقة أبها)، جريدة عكاظ 20- 7-1427ه (الصواعق تسقط مئذنة وتحرق مزرعة وتقطع الكهرباء في محافظة الدرب والشقيق)، جريدة الرياض 2-8-1427ه (مقتل شاب في بلجرشي بعد إصابته بصاعقة). حفظ الله الجميع من كل مكروه، ورحم الله الموتى وشفى الله المصابين. ص.ب 2455 الرياض 11451 [email protected]