وقف روائيون أردنيون عند تجربة صاحب (ثرثرة فوق النيل) مؤشرين إلى ضرورة إعادة قراءة إرثه الروائي الذي شكل علامة فارقة في الرواية العربية عبر أكثر من نصف قرن واكب فيها كافة تحولاتها. يؤكد الروائي إلياس فركوح أنه في هذه اللحظة يحتاج الروائي نجيب محفوظ إلى بداية جديدة لكي يُدرس; (كأنما وضع في نهايته بداية أخرى لرؤية مغايرة اتسمت بها نصوصه في فضاء التحليل النقدي للآخر). ويذهب فركوح إلى اعتبار رحيل محفوظ خسارة فادحة, بلا مبالغة, لرجل منح السرد العربي حياته (لا بل وضع حياته داخل تلك النصوص, وعلينا الآن أن نعيد قراءته). ويشير الروائي جمال ناجي أنه في الجانب الإنساني مفهوم أن مسألة العمر تدرك الكاتب وغير الكاتب (لذا لا أرى أن الوقت مناسب للندب على نجيب محفوظ لأنه موجود من خلال أعماله وما يعني القارئ والمثقف هو ما أنتجه نجيب محفوظ). ويؤكد ناجي أنه برحيل (هذا المبدع العربي الشامخ دخلنا بفقدانه مرحلة انتهاء عصر العمالقة من الروائيين العرب, إلا أنني لا أجد بأن نجيب محفوظ قد انتهى مثلاً, أو اختفى لأن آثاره الإبداعية لا تزال موجودة في الكتب, المترجمة إلى لغات متعددة). ويضيف: ربما كان من أهم ما قدمه محفوظ للثقافة العربية هو أنه استطاع وضع الإبداع الروائي العربي على طاولة الإبداع العالمي من خلال فوزه بجائزة نوبل للآداب وما رافق ذلك من عمليات تعريف بالأدب العربي والالتفات الجاد إلى ما يتضمن هذا الأدب من إبداعات وقيم إنسانية لم تكن معروفة قبل هذا الفوز للغرب; ذلك أن المترجمين في العالم الخارجي لم يكتفوا بترجمة أعمال محفوظ, بل بدأو بالبحث في الأدب العربي واكتشافه.. الروائية ليلى الأطرش رأت أن برحيل رائد الرواية العربية الحديثة ومؤسسها يظل بين أيدينا وملء عقولنا ووجداننا كم هائل متجدد من تراثه الأدبي ولعقود طويلة قادمة, تماماً كما سيناريوهات الأفلام والمسلسلات التي كتبها بنفسه أو حولت عن رواياته وقصصه. مشيرة أن من حسن طالع هذه الموهبة الفذة أن العمر الطويل قد منحه فرصة أن ينعم بامتداده الفكري والأدبي في عشرات من كبار الكتاب العرب من المحيط إلى الخليج, بل وعند القراء وباللغات الحية كلها وعند دارسي اللغة العربية وآدابها في جامعات العالم وأقسام الدراسات الشرقية فيها. وتضيف: تميز نجيب محفوظ ببشاشته وحسن استقباله وتواضعه الجم في تقاطر الإعلام عليه وبخاصة بعد نوبل, والبساطة والتواضع وحب النكتة والإقبال على الحياة هي السمة الأساس لهذا العبقري. وسيذكر التاريخ الأدبي دائماً أن نجيب محفوظ أسقط مقولة (تفرغ الأديب) فموهبته الفذة تعودت التنظيم وغزارة الإنتاج, فالموهبة الحقيقية لا تحتاج التفرغ لمناجاة القمر والنجوم وتصيد الأفكار بل استقائها ممن حوله وتوظيف عمله لدراسة النماذج المختلفة من البشر. ظل محفوظ موظفاً حتى التقاعد, ودأب على الدوام بعدها في مكتبه في الأهرام وحتى هدَّه المرض. لقد علمنا محفوظ أن الأدب ليس مزاجاً ولا نزوة, وفي هذا تقابل مع حائز نوبل قبله (ت. أس. إليوت) الذي ظل مديراً لفرع أحد البنوك في لندن وحتى تقاعده. أما الروائي هاشم غرايبة فاعتبر أنه وإن كانت وفاة الروائي العربي الكبير متوقعة نتيجة مرض الشيخوخة ولكن الموت دائماً مفاجئاً, (عزاؤنا بأنه قدم للرواية العربية مدى زاخراً من المعرفة والفنيات في العمل الإبداعي الفكري النيّر بما يجعلنا نقول وبحق إن نجيب محفوظ هو مؤسس الرواية العربية الحديثة). ويضيف: لم يكن نجيب محفوظ أستاذاً ومعلماً للكتاب والمبدعين فقط, بل كان عطاؤه يشكل منهلاً ثراً لقراء العربية أينما وجدوا. نجيب محفوظ سيبقى علامة مميزة في الأدب العربي, وسيظل اسمه مرفوعاً إلى جانب المتنبي وابن رشد وغيرهم من أعلام العربية الكبار. وقال أمين عام وزارة الثقافة الشاعر جريس سماوي: إن رحيل نجيب محفوظ خسارة مضاعفة ليس للأدب العربي وإنما للأدب العالمي برمته والمنجز الإبداعي الإنساني وبرحيله انتهت مرحلة ثقافية مشرقة في تاريخنا المعاصر وفي تاريخ الأدب وثقافة العالم الثالث. وأشار إلى لقائه مع محفوظ في عام 2001 عندما خصصت إدارة مهرجان جرش محوراً مهماً في برنامجها يتعلق بالأعمال السينمائية المأخوذة من روايات نجيب محفوظ وأهمها ثلاثيته الشهيرة (بين القصرين، وقصر الشوق، والسكرية وبداية ونهاية و ثرثرة فوق النيل واللص والكلاب والطريق). وقال: إنني أنقل تعازيّ إلى المثقفين المصريين والعرب مؤكداً أن الأمة التي أنجبت نجيب محفوظ قادرة على إنجاب قامات إبداعية في المستقبل. وقال الناقد الدكتور هاشم ياغي: إن نجيب محفوظ يعتبر علماً مصرياً وعربياً جاداً من الكتاب ومن الذين استطاعوا أن يتغلبوا على معوقات النشر مما أدى إلى إبداعاته أن تصل إلى العالمية وتترجم إلى عدة لغات. وأضاف: إن محفوظ كان من الذين تخصصوا بالرواية من تلقاء أنفسهم وساهم في تطويرها بما يليق في تلك المرحلة من كتابة الرواية التي كان لها استقلالها الخاص ولها آفاقها الفنية والتاريخية. وبيّن أن محفوظ نقل في أعماله حياة الطبقة المتوسطة في أحياء القاهرة فعبّر عن همومها وأحلامها، وعكس قلقها وتوجساتها حيال القضايا المصيرية، كما صوّر حياة الأسرة المصرية في علاقاتها الداخلية وامتداد هذه العلاقات في المجتمع. وقال الناقد والمخرج السينمائي عدنان مدانات: إن محفوظ من أكثر الكتاب العرب علاقة بالسينما والأمر لا يتعلق بتحويل رواياته إلى سينما وإنما انشغاله ومشاركته في كتابة النصوص والسيناريوهات للعديد من الأفلام السينمائية ومشاركته في لجان الرقابة على الأفلام. وأكد أنه رغم ذلك فإنه لم يكن محظوظاً مع السينما المصرية ذلك أن معظم الأفلام التي صنعت عن رواياته لم تكن في المستوى الإبداعي لكتاباته حتى أن أهم الأفلام التي نالت شهرة خاصة مثل (ثرثرة فوق النيل) و(الكرنك) و(السكرية) لم تعكس جوهر ومضمون رواياته الأصلية. وقال: إن أكثر رواياته نقلاً إلى السينما هي الحرافيش فقد أنجزت منها عشرة أفلام كان أبرزها (الجوع) الذي أخرجه علي بدر خان. واعتبر أن نجيب محفوط العربي الوحيد الذي نهلت السينما العالمية من إبداعاته الروائية فعلى سبيل المثال أنجزت السينما الإسبانية روايتيه (زقاق المدق) و(بداية ونهاية) كما حققت السينما الصينية فيلماً عن روايته الحرافيش تحت عنوان (الدنيا بين الأبيض والأسود).