احتفت البلاد قيادة وشعبا باستمرار تجربة مجلس الشورى يوم أمس وتمثلت هذه الاحتفائية بافتتاح خادم الحرمين الشريفين لأعمال السنة الرابعة من الدورة الثانية لمجلس الشورى وبالقدر الذي يسعد المواطنين استمرار هذه التجربة فإنهم يتطلعون الى مزيد من تطويرها، وتعميقها وتعميمها، ومن هذا المنطلق نطرح بعض الاحلام الحلال بما يعكس تثمين المواطنين للتجربة وطموحهم فيها. لقد فاجأني كالكثيرين مثلي من المواطنات والمواطنين ذلك الرقم الضخم لعدد الجلسات التي عقدها مجلس الشورى في السبع سنوات الماضية اذ بلغ عددها كما ورد في كلمة رئيس المجلس 5962 كما فاجأنا عدد القرارات التي أصدرها المجلس وعددها 8582 بمعدل أكثر من ألف قرار للعام الواحد، هذا عدا الاشارة الى اصدار 174 نظاما شملت كما جاء في صحف البارحة الشؤون الدينية والاجتماعية والقضائية والسياسية والأمنية والدفاعية والمالية والبلدية والادارية والتعليمية والثقافية والخدمة المدنية وشؤون الحج والأوقاف. وهنا نقول شكرا لهذه الاحتفائية التي كانت فرصة لاطلاع المواطن عبر ما نشرته الصحف على بعض ما يتم تدارسه والتشاور فيه والمشاركة في اتخاذ قراراته السياسية إن لم يكن بمواقف ملزمة فعلى الأقل عن طريق إبداء الرأي وتداول المشورة. ان الفرصة الايجابية لم تكن ايجابية وحسب في الاشارة الى حجم المنجز بل انها كانت فرصة ايجابية أيضا لملاحظة حجم القصور المعرفي والاعلامي الذي نعاني منه تجاه هذه التجربة. ولقد أتاح ما طرح في الصحف مؤخرا عن مجلس الشورى فتح باب الحوار عن مدى جدية هذه التجربة وأهمية الالتفاف حولها والعمل كل من موقعه على دعمها ومساندتها، وفي هذا الصدد نصارح مجلس الشورى ببعض الأمنيات التي نتمنى منه ان يقوم بدوره في ايصالها لصاحب القرار ونقل وجهة نظر المواطنين فيها. 1 ان يصار الى علانية الجلسات بعرض وقائع بعضها على الأقل، على عموم المواطنين عبر وسائل الاتصال المتاحة وبخاصة التلفزيون والصحف، ليتاح للمواطن معرفة ما يتداول من مواضيع قد تقع في صلب واقعنا المعاش سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. 2 ان يصار الى تشكيل لجان في مجلس الشورى تُعنى بما يطرح في الصحف من آراء وقضايا وشجون أو شؤون اجتماعية وسواها لتوسيع دائرة المشاركة في هذا المجلس ولو بشكل غير مباشر وبخاصة ان الصحف عندنا هي رئة المواطن الثالثة لإيصال صوته وقضاياه للمسؤولين، ليأخذ هذا الصوت وتلك القضايا في الاعتبار عند وضع أجندة اللجان، وعند اتخاذ القرار السياسي بشأنها. 3 ان يصار كما أشرنا في مقال سابق الى توسيع قاعدة التمثيل في هذا المجلس بحيث لا تقتصر على حملة الدكتوراه والدرجات العلمية العليا وحسب من المختصين اختصاصات علمية بل تشمل أولئك المعنيين بالقضايا الاجتماعية والشؤون المحلية من خلال احتكاكهم اليومي بالقطاع العريض من المواطنين وبالمواضيع التي تشغلهم من واقع التجربة الحقلية المعاشة, وفي هذا فإن تمثيل مختلف المهن على سبيل المثال من التجار الى الصناع الى الحرفيين والفنيين والموظفين الى المتسببين أمر جدير بتوسيع دائرة اهتمام مجلس الشورى وتبصيره بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وسواها التي تهم المواطنين بمختلف فئاتهم ومناطقهم ومتطلباتهم. وألا يكون التمثيل مقتصرا على تمثيل المناطق بمن ينتمون اليها أصلا دون ان يكونوا من سكانها بل بمن يقيمون فيها، فلا يكفي ان تمثل المجمعة أو سيهات أو حريملاء أو الجنوب أو الشمال مثلا بمن ينحدرون منها أصلا ولا يعيشون اليوم بين ظهراني أهلها ولا يعرفون أحوال الديار بها، بل لابد ان يكون التمثيل يعبر عن التعايش اليومي مع مناخ المنطقة ومطالبها وأشواقها التلاحمية مع كل الوطن. 4 ان يبحث جديا في الآلية التي تمكن نصف المجتمع من هذه المشاركة الوطنية الحيوية والمهمة، فلابد من ايجاد صيغة تتيح للمرأة المشاركة في مجلس الشورى وبخاصة على مستوى القضايا التي تهم بنات جنسها من قضايا التعليم والصحة والعمل والتجارة والإدارة وسواها من قضايا الأسرة والطفولة، لقد سبق واقترحت عبر هذا المنبر من جريدة الجزيرة تشكيل لجنة نسائية تضاف الى اللجان العاملة الأخرى بمجلس الشورى، وهنا أجدد الاقتراح وأمعن في النداء علِّي أسمع، وأشدد باسم المواطنات من النساء على ضرورة هذه المشاركة، وهنا أشدد أيضا على مسألة التمثيل فليس المهم من المطالبة بمقعد للمرأة في لجان مجلس الشورى هو مجرد وجود أسماء نسائية لذر الرماد في عيون الاعلام الخارجي او الداخلي، بل المطلوب ان يكون التمثيل من أولئك النسوة اللاتي شغلن بحب الوطن ويعول عليهن في اهتمام مشهود له ومزكى بالقضايا النسوية والاجتماعية في بعدها الوطني العام. لقد قرأنا في وقت سابق بصحف غير محلية عن انه تم بالفعل حضور عشرين امرأة سعودية لإحدى جلسات مجلس الشورى، ولكن ظل الموضوع كبالون اختبار تؤرجحه الشائعات، مع ان خطوة مثل هذه كان جديرا طرحها محليا. وغير ذلك فلقد فوجئت في مرة من المرات على شبكة الانترنت بموقع انتجته إحدى الجهات الأجنبية يقول إن مجلس الشورى السعودي يتكون من ستين عضوا أغلبهم من أفراد الأسرة المالكة. ومثل هذه المعلومة المضللة لا يمكن تصحيحها ودحضها الا بإشاعة وتعميم المعلومات الدقيقة والصريحة بين المواطنين أنفسهم لأنهم هم من يعنيهم تصحيحها ويستطيعون ذلك اذا وجدوا طريقهم لمعرفة دقائق ما يجري تحت قبة المجلس من شؤون وشجون تهم الوطن. ولله الأمر من قبل ومن بعد.