في مواجهة الغلو والتطرف، والتكفير والتفجير، لابد من ترسيخ نهج الوسطية والاعتدال، والحكمة والموعظة الحسنة. وهذا يتطلب إستراتيجية شاملة للدعوة. فالدعاة هم الأكثر قرباً وتأثيراً في الناس، ومنهم يستقي الناس أمور دينهم ودنياهم. ولقد كان الشغل الشاغل لرجالات الدعوة من خطباء وأئمة ودعاة وطلبة علم، مواجهة الفكر التكفيري الإرهابي بالعلم الصحيح، وركائز العقيدة السليمة، عقيدة سلف الأمة، ومنهج أمة الإسلام في الاعتدال والوسطية. وهو الأمر الذي كشف زيف الغلاة والإرهابيين.. فما هي أسس المنهج الوسطي في الدعوة؟ الأمة الوسط يقول الشيخ عبدالعزيز بن محمد الحمدان مدير إدارة شؤون الدعوة والإرشاد بمنطقة الرياض: وصف الله أمة الإسلام بأنها أمة وسط، فقال سبحانه وتعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا)، أي عدلاً خياراً، وما عدى الوسط فالأطراف داخلة تحت الخطر. فجعل الله هذه الأمة وسطاً في كل أمور الدين، وسطاً في الأنبياء بين من غلا فيهم كالنصارى، وبين من جفاهم كاليهود، فآمنت هذه الأمة بأنبياء الله كلهم على الوجه اللائق بهم. (أُمَّةً وَسَطًا) في الشريعة، لا تشديدات اليهود وآصارهم، ولا تهاون النصارى وتطرفهم، (أُمَّةً وَسَطًا) في باب الطهارة، والمطاعم، والملابس، والمناكح. فلهذه الأمة من الدين أكمله، ومن الأخلاق أجلها، ومن الأعمال أفضلها، ووهبها الله من العلم والحلم والعدل والإحسان ما لم يهبه لأمة سواهم، فلذلك كانوا أمة وسطاً، كاملين معتدلين، ليكونوا شهداء على الناس بسبب عدالتهم، وحكمهم بالقسط. إن هذه الأمة التي اختارها الله واجتباها تقف في الوسط، لا تأتي إلى الأطراف لتقف عند الشبهات، لأن من يقف في أطراف الأمور عند الشبهات يكاد يخرج منها، ويتجاوز بذلك حدود الله، وما من أمر إلا وقد جعل الله له حدوداً، من اقترب منها دخل في الشبه، ومن تجاوزها تطرف وخرج عن الحق. لقد بين الله لنا كيف كان أعداء الإسلام يأخذون الأمور من أطرافها، ثم يتجازونها، قال - جل وعلا-: (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ). هذا هو مطلبهم! ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل، أما الذين زاغت قلوبهم ولم ترشدهم عقولهم إلى الحق والصواب، ولم يهدهم ربنا - جل وعلا-، فهؤلاء هم الكافرون والظالمون والفاسقون الذين قال الله فيهم: (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)، (إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).. إن هؤلاء تزيغ قلوبهم، فلا يرون الحق حقاً، ولا يرون الباطل باطلاً، فيتبعون ما تشابه من أحكام الشرع ابتغاء الفتنة، وابتغاء التأويل، وما يعلم تأويله إلا الله. ويشير الحمدان إلى أن الله أنعم على هذه الأمة فجعلها خير الأمم، ولا تتحقق لها الخيرية إلا إذا استمسكت بشرع الله، وطبقت أحكامه.. وما ساد الأمن والاستقرار في بلادنا - ولله الحمد- وما اطمأن الناس وآمنوا على أعراضهم وأموالهم وأنفسهم إلا بقيام الشرع. فنحن في هذا البلد الكريم أمة واحدة يرحم كبيرها صغيرها، ويوقر صغيرها كبيرها، كلمة الحكام والعلماء واحدة متآزرة، ومتعاونة ومتفقة مع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، مجتمع يسوده الحب والتراحم والتعاون والتآخي. وهذه نعم حسد الأعداء هذه البلاد، وأهلها على ما هي عليه من خير، وما هي فيه من نعمة، وتسلل إلى شرذمة من أبنائها أهل الأهواء والكيد بقصد الإساءة إلى هذا البلد، وهذه الدولة المسلمة وهذا الشعب الآمن، وهذا المجتمع المستقر المطمئن، ولا ريب أن الغرض من وراء ذلك هو زعزعة استقراره، والنيل من مكاسبه، والتأثير على التزامه بدينه، وتمسكه بعقيدته، والتقليل من جهوده الإسلامية المتعاونة مع المسلمين أينما كانوا، وقطع صلاته وعلاقاته معهم، وإبعاد شبابه عن الاستعداد لتحمل المسؤولية في المستقبل. وإن أعداء الدين الحق وأعداءنا في هذا البلد الآمن، يسوؤهم ويؤلمهم أن تستمر البلاد على هذا المنهج المنير، فيكيدون لها، ويلبسون على الجهلة والأغرار أهواءهم، ويظهرونها بمظهر الإسلام، والإسلام بريء منها. وما من شك أن السبب في إغواء هؤلاء الأغرار، هو كيد الأعداء، وتسلل الأفكار المنحرفة إليهم مما يستدعي من كل عالم، ومرب، وداعية، ومصلح أن يصب جهده، ويستفرغ وسعه في بيان منهج السلف الصالح في الدعوة إلى الله، القائم على الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، كما أمر الله -جل وعلا- نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه وتعالى (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، وأن يتعرفوا على سبيل المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي أمرهم الله أن يتبعوه في قوله سبحانه وتعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ). كبائر الذنوب أما الدكتور عبدالرحمن بن عمر المدخلي فيبين أن ما يقع من قتل للأبرياء، وسفك للدماء، وإخافة للآمنين، وترويع للساكنين، وإتلاف للممتلكات، لا شك أن ذلك أمر شنيع، وجرم فظيع، وكبيرة من كبائر الذنوب، متوعد عليها بعقوبات شديدة، وهو من الأفساد في الأرض الذي جعل الله عقوبته من أشد العقوبات، وذكر الله أن تلك العقوبة خزي لهم في الدنيا، مع ما ينتظرهم في الآخرة، وذلك في قوله تعالى (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، مشيراً إلى أنه ليس في شريعة الإسلام إزهاق لأرواح الآمنين، ولا قتل للنساء والأطفال البريئين، ولا تفجيرات أو انتحار، ولا استحلال لدماء المسلمين، ماذا يريد هؤلاء من تفجير سيارات مملوءة بالمتفجرات يقودها قوم ملئت عقولهم بأفكار زائفة؟ أيريدون أن يبدل الله أمننا خوفاً وفزعاً؟ وأن ينتشر القتل ويعمّ السلب والنهب، وحينذاك تنتهك الحرمات، ولا يستطيع المسلم صلاة ولا صياماً ولا حجاً ولا زكاة، ولا ارتفاع أذان من منارة، ولا قيام إمام في محراب. ويؤكد المدخلي أن بلدنا هذا ليست كبقية البلدان، فهو مهوى الأفئدة، ومهبط الوحي، وفيها مكة والمدينة، فكيف لو تبدل الحال فيها إلى قتل ونهب، هل يأمن الحاج والمعتمر في طريقه؟ هل يجرؤ مسلم على طواف وسعي؟ هل يتمكن الحاج من الوقوف بعرفة ومزدلفة والمبيت بمنى؟ تباً لهذه الشرذمة الباغية والفئة الفاسدة، والثلة الآثمة، ما أجرأها على الله، وما أشدها حقداً على عباد الله، كيف يهدرون نعمة الله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)، كما أن الواجب علينا في مثل هذه الأحوال الرجوع إلى الله، والتوبة، إليه، والإكثار من الأعمال الصالحة، والتضرع إليه، مع الحذر من المشاركة في الفتن بكلمة أو رأي أو إشارة، واجتناب الإصغاء إلى إرجاف المرجفين عبر القنوات الخارجية، الذين يبررون للمجرم إجرامه، وللقاتل طغيانه، وإن أشكل عليك أمر أو التبس فارجع إلى أهل العلم الذين يعلمونه.. ولنكن صفاً واحداً خلف قيادتنا الرشيدة سمعاً وطاعة على كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، البراءة من الانحراف ويشارك الشيخ محمد بن علي الزاهر إمام جامع رجال ألمع الرأي: بأن دين الإسلام- دين الوسطية والاعتدال- بريء من الانحراف وأهله، سواء الجانح منهم إلى التفريط والتقصير، أو الجانح إلى الإفراط والغلو، فلقد ذم الله عز وجل المعرضين عن الحق، المتبعين للأهواء والشهوات، المرتكبين لما حرم الله ونهى عنه من كبائر الإثم والفواحش، وتوعدهم- عز شأنه- بالعقاب الأليم والعذاب الشديد، يقول جل جلاله: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى، وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى).. كما ذم سبحانه وتعالى الغالين في الدين، المجاوزين للحدود الشرعية، يقول عز وجل: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). وجاء في التنزيل الكريم الأمر بالاستقامة على طاعة الله ولزوم أمره، والتحذير من الطغيان والغلو والزيادة، يقول الحق تبارك وتعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). وإن هدي الإسلام الصحيح بعيد عن الغلو والتنطع والتجاوز لحدود الله، لأن في الغلو والتنطع مخالفة لما جاء به الكتاب العزيز، وما دعا إليه الرسول صلى الله عليه وسلم، فالقرآن العظيم والسنة المطهرة هما الميزان لصحة المنهج وسلامة المعتقد، وصواب العمل، كما قال عليه السلام: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي)، رواه الحاكم بسند صحيح. ولقد جاء التحذير من الغلو في الدين، والتنطع فيه مقروناً بالوعيد الشديد لفالعه، على لسان رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، فيما رواه مسلم في صحيحه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) كررها ثلاثاً، قال الإمام النووي -رحمه الله- في بيان معنى الحديث: (أي المتعمقون، المغالون، المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم)، وروى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو). ويضيف الزاهر: إن المستقرئ للتاريخ، يدرك أنه ما حصل من انحرافات عقدية، أو عملية من بعض الأفراد والطوائف الإسلامية، منذ العصور الإسلامية الأولى إلى وقتنا هذا، لا سيما ما حصل من الخوارج ومن تأثر بهم، وما كان لتلك المعتقدات المخالفة لمنهج الحق من الأثر السيئ في الأمة، إلا بسبب الغلو في الدين، والتجاوز لحدوده، وعدم فهم النصوص الشرعية على الوجه الصحيح، كما فهمها سلف هذه الأمة. ولقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الخوارج بكثرة العبادة والمبالغة في الطاعة، إلا أن هذا لم يكن دليلاً على صحة منهجهم، وسلامة معتقدهم. بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم درءاً لضررهم، وحماية للأمة من شرهم. كما أن هذا الانحراف العقدي، والخروج عن سماحة الإسلام، والعدول عن الطريق المستقيم إلى طريق الضلال، كل ذلك كان سبباً في نشوء الفتن بين المسلمين عبر عصور الإسلام المختلفة، وهو الذي بدد وفرق وحدتهم، وأذكى نار النزاع والشقاق والفرقة والاختلاف بين الشعوب الإسلامية. وإنه لا منقذ لأمة الإسلام مما هي فيه من ضعف وهوان، وتفرق واختلاف، إلا بالعودة الصادقة إلى الإسلام الصحيح، واستلهام عقائده الصحيحة، ومبادئه الحقة، حتى تجتمع كلمة الأمة، فتقوى بذلك شوكتها ويكون حقها بين الأمم محفوظاً، وجانبها مرهوباً. الغلو مقابل الاعتدال ويقول الدكتور عبدالعزيز بن مبروك الأحمدي الأستاذ بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة: لقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للناس كما قال الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)، وجعل أمته أمة وسطاً كما قال تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، أي عدولاً لا يميلون عن الحق لا إلى غلو ولا إلى جفاء، بل يتوسطون ويعتدلون، لأن ديننا الإسلامي قد نهانا عن الغلو، كما قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ)، والغلو مجاوزة الحد، والقدر المشروع إلى ما ليس بمشروع، ويقع من الأفراد والجماعات والدول. ويضيف أن الغلو ليس محصوراً في الغلاة في الدين، بل كان من خرج عن طريق الاستقامة والاعتدال إلى طريق الغواية والضلال، سواء ضلال بدع، أو خروج عن الدين بأكمله، والغلو يكون على درجات، ويقع من المتدينين وغير المتدينين، إلا أنه يقبح من المتدينين أكثر من غيرهم، وخطره أشد، لأنه يلبس الدين، والدين منه براء، فالعقيدة السليمة، والمنهج السليم كلاهما حرب على الغلو والتطرف والإرهاب. ويلفت الدكتور الأحمدي الأنظار إلى أن التاريخ الإسلامي شهد في مختلف عصوره الكثير من القلاقل والفتن من بعض المنتسبين للإسلام، ومن أبرزهم الخوارج الذين ظهروا في عهد عثمان ابن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه.. مشيراً إلى أنه ظهر في هذا العصر من يشابههم في هذا الفكر والتوجيه. ويؤكد أن هذا الفكر فكر إرهابي مدمر مخالف لحقيقة الدين الإسلامي وإن المتأثر بهذا الفكر يصعب منعه من تنفيذ مآربه لشدة انحرافه وضلاله، يقول الشيخ العلامة صالح الفوزان: (وواجب على المسلمين في كل عصر إذا تحققوا من وجود هذا المذهب الخبيث أن يعالجوه بالدعوة إلى الله أولاً وتبصير الناس بذلك، فإن لم يمتثلوا قاتلوهم دفعاً لشرهم). ويشير فضيلته في هذا الصدد إلى أن هذه البلاد المباركة -حرسها الله- عانت من بعض من تأثر بهذا الفكر، فمنهم من كفر من لا يستحق التكفير، ومنهم من حُرّض على الخروج على ولي الأمر، ومنهم من خرج على ولي الأمر ففجر وقتل من لا يستحق القتل من معصومي الدم من المسلمين والمعاهدين، وأتلف الأموال وروع الآمنين فخالفوا النصوص الشرعية المتواترة التي حذرت من ذلك أشد التحذير فقد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا رجعت إليه)، وقال أيضاً: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق كلمتكم فاقتلوه)، وفي رواية (إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوا عنقه كائناً من كان). ويرى الدكتور عبدالعزيز الأحمدي أن من أسباب وجود هذا الفكر الضال المنحرف الدعوة إليه عن طريق قنوات فاسدة مضللة تسمى نفسها بقنوات الإصلاح، وهي في الحقيقة قنوات فساد ودمار تبث السموم والشبهات والأفكار الهدامة، وقد تأثر بها بعض الجهّال من الشباب والعوام. ويكفي في فسادها وضلالها أنها تبث وتدار من بلاد الكفر والضلال. وكذلك بعض المؤلفات المعاصرة التي تدخل إلى هذه البلاد بالدس، أو تسحب من الإنترنت وتلبس على العامة بما اتخذت من مسميات دعوية وأساليب متنوعة لكنها في النهاية تعتبر خلاصة للفكر الخارجي التكفيري. وهذه الكتب وغيرها يهدف أصحابها إلى زعزعة الثقة في علماء هذه البلاد وولاة أمرها والتنفير منهم، وهي في الحقيقة ترجع إلى جماعات ذات تنظيمات سرية تهدف إلى الوصول إلى مآربها وتتخذ من الدين مطية لها. ويخلص إلى القول: إن هذه الجماعات والأفكار المضللة وما تولد منها باسم الدين والجهاد في سبيل الله تعتبر وافدة على بلادنا الطاهرة النقية القائمة على العقيدة الصحيحة والمنهج السليم المبني على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.