(تلبيس إبليس).. عنوان لكتاب عظيم ألّفه الإمام الحافظ جمال الدين بن الجوزي المتوفى سنة 597ه، كشف فيه حبائل إبليس ومكائده ومداخله على كثير من الفئات والجماعات وأصحاب النحل في عصره.. ولو كان ابن الجوزي يعيش اليوم بيننا ويرى حال بعض كُتَّابنا وما عليه من التخبط والغبش في موقفهم من بعض القضايا لأفرد فيهم مصنفات ومؤلفات ينوء بالعصبة أُولو القوة حملها.. فقد لبَّس إبليس على جماعة من كُتَّابنا في كثير من القضايا فأوهمهم وصوَّر لهم الباطل في صورة الحق وزيَّن لهم ذلك، فليس عليهم في بعض المسائل الشرعية وبخاصة التي تتعلَّق بالمرأة، وكان مدخل إبليس عليهم في هذا الباب من جهة قلة بضاعتهم في علوم الشرعية ومن جهة أنهم منحوا لأنفسهم حرية إبداء الرأي في كل شيء حتى في قضايا الشرعية لأنهم يزعمون أنهم أصحاب الثقافة ورجال الفكر وأنهم أُوتوا من الفهم ما لم يؤته أحد غيرهم، فغرَّهم إبليس وخاضوا في هذه القضايا الشرعية فنادوا بحرية المرأة المطلقة، وإلغاء قوامة الرجل عليها، وقيادتها للسيارة، وإقحامها في أعمال لا تتناسب مع طبيعتها بل تجعلها تتخلى عن الآداب الشرعية التي تحفظ كرامتها، وتجعلها تختلط بالرجال وتضطرها إلى خلع الحجاب، زعماً منهم أنهم يريدون بدعواتهم هذه حفظ حقوق المرأة، وما علموا أن دعواتهم هذه هي الظلم بعينه للمرأة والانتهاك الكبير لحقوقها، إذ إن الزج بها في أعمال لا تتناسب مع خلقتها وحشمتها وعفافها هو ظلم كبير وعظيم لها ولزوجها وأولادها وتضييع لرسالتها العظيمة وهي تربية النشء. ولا أحسب هذه الدعوات الرنانة التي ظاهرها الرحمة والشفقة وباطنها البؤس والشقاء، التي نسمعها صباحاً ومساءً حتى أُصبنا بالسأم والملل إلا من أجل حريتها، لأن ديننا الحنيف قد تكفَّل برعايتها وصيانتها وحفظ حقوقها، فلله الفضل والمنّة. ومن تلبيس إبليس عليهم أيضاً تلبيسه عليهم في قضية المناهج الدراسية وخصوصاً الدينية منها، حيث نادوا بتغييرها وتبديلها لكونها تفرّخ الإرهاب، وتدعو إلى التطرف وتحض على الكراهية، فجعلوا هذه المناهج شماعة تعلق عليها أخطاء المجتمع، ولو كانت هذه التهم حقيقة وأن الفكر الإرهابي المتطرف هو نتاج هذه المناهج الدراسية للزم أن يكون نصف المجتمع السعودي أو ثلثه على الأقل لديه فكر إرهابي متطرف لأنه تخرَّج في هذه المدارس التي تدرس هذه المناهج، التي خرَّجت بعض هؤلاء المتطرفين من أصحاب الفكر الضال، فالمنبع واحد ومع ذلك فمعظم المجتمع السعودي يتميز بالوسطية والاعتدال الأمر الذي يؤكد لأدنى عاقل أن مناهجنا بريئة من هذه التهمة كبراءة الذئب من دم يوسف.. وهذه التهم شنشنات نعرفها من أخزم، فلو تتبعناها لوجدنا أن منشئها وسائل الإعلام الغربية، ثم تبناها بعد ذلك بعض المرجفين الذين أصبحوا حيطاناً يتردد فيها صدى الدعوات والتهم الزائفة التي تطلقها بعض المنظمات ووسائل الإعلام الغربية على بلادنا الغالية، حتى لقد ألهت الدعاوى والتهم التي يصدرها بيت الحرية الأمريكي بعض كُتّابنا عن كل مكرمة وأشغلهم تلقفهم لتلك التهم وترويجهم لها عن الاهتمام بأمور التنمية ومستقبل بلادنا، والله المستعان.. وبغض النظر عن أهداف هذه التهم وأصل منشئها فإننا لسنا ضد تطوير مناهجنا الدراسية، لكننا ضد تغييرها، وشتان ما بين التطوير والتغيير، فالتطوير بناء، وأما التغيير فهو هدم وإزالة لما هو قائم، والبناء صعب، والهدم سهل وهو وسيلة الضعفاء والعاجزين. وأما تلبيس إبليس عليهم في الحط من شأن العلماء واحتقار الدعاة، فقد كان مدخل إبليس عليهم من جهة غرورهم وشدة إعجابهم بأنفسهم وزعمهم أنهم مفكرو الأمة وسدنة الثقافة، فلما كان الوعظ يلامس مكامن الجروح في قلوبهم ومواطن الخلل في نفوسهم نعتوا العلماء (بالوعاظ) كبراً وإمعاراً لكي يصرفوا عن قلوبهم تأثير الوعظ عليها، على حد قول المشركين لما سمعوا الذكر فأرادوا أن يصرفوا تأثيره عن نفوسهم قالوا: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ}، وما علم هؤلاء الكتبة عندما نعتوا العلماء والدعاة (بالوعاظ) أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - وصحابته - رضوان الله عليهم - وهم خيار الأمة كانوا وعاظاً يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، بل إن القرآن الكريم وهو كلام الله - عزَّ وجلَّ - جاء عظة وتذكرة للمؤمنين.. وربما عابوا على العلماء تكلُّمهم في الأمور الدنيوية، لأنها ليست من اختصاصهم ولأن العلماء - على حدّ زعمهم - لا يفقهون في أمور الحياة شيئاً، وإنما وظيفتهم تقتصر على الدين ووعظ الناس، ونسوا أن الإسلام جاء بالتشريع في كل شيء ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا بيَّنها وفصَّلها.. وربما وقع هؤلاء الكُتَّاب فيما عابوا عليه العلماء فحشروا أنوفهم في قضايا الشرعية بغير علم ولا هدى مبين فضلوا وأضلوا وأتوا بالعجائب، فهم في تخبُّط وتناقض عجيب.. والله المستعان والهادي إلى سواء السبيل. إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه وصدق ما يعتاده من توهم [email protected]