«الاستثمار العالمي»: المستثمرون الدوليون تضاعفوا 10 مرات    قيود الامتياز التجاري تقفز 866 % خلال 3 سنوات    رئيسة (WAIPA): رؤية 2030 نموذج يحتذى لتحقيق التنمية    سعود بن مشعل يشهد حفل "المساحة الجيولوجية" بمناسبة مرور 25 عامًا    السد والهلال.. «تحدي الكبار»    ظهور « تاريخي» لسعود عبدالحميد في الدوري الإيطالي    أمطار على مكة وجدة.. «الأرصاد» ل«عكاظ»: تعليق الدراسة من اختصاص «التعليم»    «التعليم»: حظر استخدام الهواتف المحمولة بمدارس التعليم العام    إسماعيل رشيد: صوت أصيل يودّع الحياة    من أجل خير البشرية    وفد من مقاطعة شينجيانغ الصينية للتواصل الثقافي يزور «الرياض»    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    مملكتنا نحو بيئة أكثر استدامة    نيوم يختبر قدراته أمام الباطن.. والعدالة يلاقي الجندل    في الشباك    بايرن وسان جيرمان في مهمة لا تقبل القسمة على اثنين    النصر يتغلب على الغرافة بثلاثية في نخبة آسيا    قمة مرتقبة تجمع الأهلي والهلال .. في الجولة السادسة من ممتاز الطائرة    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    نائب أمير الشرقية يكرم الفائزين من القطاع الصحي الخاص بجائزة أميز    ألوان الطيف    ضاحية بيروت.. دمار شامل    «بنان».. جسر بين الماضي والمستقبل    حكايات تُروى لإرث يبقى    جائزة القلم الذهبي تحقق رقماً قياسياً عالمياً بمشاركات من 49 دولة    نقاط شائكة تعصف بهدنة إسرائيل وحزب الله    أهمية قواعد البيانات في البحث الأكاديمي والمعلومات المالية    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    تطوير الموظفين.. دور من ؟    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي    قصر بعظام الإبل في حوراء أملج    كلنا يا سيادة الرئيس!    القتال على عدة جبهات    معارك أم درمان تفضح صراع الجنرالات    الدكتور ضاري    التظاهر بإمتلاك العادات    مجرد تجارب.. شخصية..!!    كن مرناً تكسب أكثر    نوافذ للحياة    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    الرئيس العام ل"هيئة الأمر بالمعروف" يستقبل المستشار برئاسة أمن الدولة    صورة العام 2024!    ما قلته وما لم أقله لضيفنا    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    التوصل لعلاج فيروسي للسرطان    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي في دورته الثانية للعام ١٤٤٦ه    وزير الخارجية يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لوقف النار في غزة ولبنان    استعراض السيرة النبوية أمام ضيوف الملك    أمير الشرقية يستقبل منتسبي «إبصر» ورئيس «ترميم»    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الأهل والأقارب أولاً    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زَعْم الرفاعي أن ابن باز والعثيمين قد (شرَّكا) مَن يقف أمام قبر الرسول صلى الله عليه وسلم والدعاء أمام قبره كذب صريح وتلبيس على العوام
في ردِّه على ادِّعاءات المفكِّر الإسلامي الكويتي الرفاعي التي نشرتها إحدى الصحف الكويتية .. المفتي :
نشر في الجزيرة يوم 02 - 08 - 2006

صدر عن سماحة المفتي العام للمملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ البيان التالي رداً على المقابلة التي نشرتها إحدى الصحف الكويتية بتاريخ 29 ربيع الآخر 1427ه وتضمَّنت هجوماً شنيعاً وغير مبرَّر على الشيخين عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهما الله:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وبعد:
فقد اطلعنا على مقابلة صحفية مع وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الأسبق في دولة الكويت المفكِّر الإسلامي يوسف بن هاشم الرفاعي في صحيفة (السياسة) بعددها رقم 13486 الصادر يوم السبت 29 ربيع الآخر 1427ه الذي يوافقه 27 مايو 2006م، وكان مما لفت الانتباه وحزَّ في الخاطر كثيراً هجومه الشنيع وغير المبرَّر على عالِمَيْن من أعلام هذه الأمة، هما: سماحة الشيخ الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله، وسماحة الشيخ العلامة محمد العثيمين رحمه الله، ولفَّق عليهما تهماً كاذبة مزورة، ولبَّس على الناس في شأنهما. ولما وقفتُ على ذلك رأيتُ لزاماً عليَّ الذبّ عنهما صيانةً لعرضهما وأداءً لحقهما بعد موتهما، وأيضاً بياناً للحق وإظهاراً له، ودحراً للباطل ورداً له على قائله.. فأقول مستعيناً بالله عز وجل:
إن ما نقمه الرفاعي على الشيخين جملة مزاعم، وهي على قسمين:
القسم الأول: أمور اتَّهمهما بها كذباً وبهتاناً، وهما لم ولا يقولان بها، وهي:
1- قوله: لأن ابن باز يعتبر أن مَن يحتفل بالمولد فهو مشرك فهذا تطرُّف.
2- قوله: ويقول: إن من يحتفل بالإسراء والمعراج مشرك فهذا أيضاً تطرُّف.
3- قوله: مَن ذهب ليزور المسجد ليزور النبي صلى الله عليه وسلم فسفره معصية.
4- قوله عنهما رحمهما الله: ألم يقولوا أن الوقوف أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء شرك.
5- قوله عن كتبهما: وكُتُب مَن يطلقون عليهم أئمة هي كتب تكفير وتشريك.
6- قوله: وهؤلاء الجماعة جهلة ويتبعون ابن باز ويقولون عنه: إنه إمام من الأئمة رغم أنه أنكر أن الإنسان وصل إلى القمر، وقال: إن الأرض ليست كروية وأصدر كتاباً في ذلك، وقال: لم أصدق الوصول إلى القمر، ولم يصدِّق ذلك إلا عندما صعد الأمير سلطان صعد مع الرواد الذين ذهبوا إلى القمر وبعدها صدق وقال طالما أن الأمير سلطان رأى بعينه فهذا الكلام يعتبر حقيقياً.. على اعتبار أن بعضهم كان يردد الآية: {لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}.
وللجواب عن هذه الافتراءات نقول ابتداءً: سبحانك هذا بهتان عظيم، ثم لو كان هذا الكلام صادراً من غر جاهل لا يزن الأمور ولا يعرف المآلات ولا يحسن أدب الخلاف ولا يعرف عاقبة من يفتري الكذب ويؤذي عباد الله المؤمنين، أقول: لو صدر الكلام من مثل هذا الغرّ الجاهل لهان الأمر، لكن هذا الكلام صادر من رجل كان في يوم من الأيام مسؤولاً كبيراً في الدولة، ومنتسب للعلم، وله اطلاع على كتب العلماء، وكان المؤمَّل فيه أن ينصب نفسه للدفاع عن علماء الحق، لا أن ينتصب للطعن فيهم بالباطل، ولنأتِ على مطاعنه فقرةً فقرةً.
1- أما الزَّعْم بأن الشيخ ابن باز - رحمه الله - يرى أن مَن يحتفل بالمولد فهو مشرك، فهذا كذب عليه رحمه الله، وقد ألَّف رسالةً في حكم الاحتفال بالموالد النبوية وغيرها بيَّن فيها أنها بدعة، واستدلَّ لذلك بأدلة قوية يطمئن إليها قلب المؤمن المتجرِّد، وكان مما قال رحمه الله: (الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اهتدى بهداه، أما بعد: فقد تكرَّر السؤال من كثير عن حُكْم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم والقيام له في أثناء ذلك وإلقاء السلام عليه وغير ذلك مما يُفعل في المولد.. والجواب أن يُقال: لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا غيره؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا خلفاؤه الراشدون ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله على الجميع، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة وأكمل حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعةً لشرعه ممن بعدهم. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)؛ أي: مردود عليه. وقال في حديث آخر: (عليكم بسُنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ. وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة). ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها، وقد قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}، وقال عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}.
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وإحداث مثل هذه الموالد يُفهم منه أن الله سبحانه لم يُكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يُبلِّغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به، زاعمين أن ذلك مما يقرِّبهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على الله سبحانه وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة. والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلَّغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد عن النار إلا بيَّنه للأمة كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدلَّ أُمَّته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم) رواه مسلم في صحيحه. ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم وأكملهم بلاغاً ونصحاً، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة أو فعله في حياته أو فعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك عُلم أنه ليس من الإسلام في شيء، بل هو من المحدثات التي حذَّر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته كما تقدم ذكر ذلك في الحديثين السابقين. وقد جاء في معناهما أحاديث أخر؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة: (أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) رواه الإمام مسلم في صحيحه.
والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وقد صرَّح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها؛ عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها، وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات؛ كالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاختلاط النساء بالرجال، واستعمال آلات الملاهي، وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر، وظنوا أنها من البدع الحسنة، والقاعدة الشرعية: (ردُّ ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم) كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}، وقال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}. وقد رددنا هذه المسألة، وهي الاحتفال بالموالد، إلى كتاب الله سبحانه فوجدناه يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، ويحذرنا عما نهى عنه، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيه. وقد رددنا ذلك أيضاً إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم نجد فيها أنه فعله ولا أمر به ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم، فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين، بل هو من البدع المحدثة ومن التشبه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم، وبذلك يتضح لكل مَن له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام، بل هو من البدع المحدثات التي أمر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم بتركها والحذر منها).
وهي موجودة بكاملها في مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز رحمه الله، الجزء الأول، ص178- 182.
والحاضرون لهذه الاحتفالات أجناس، فمنهم مَن يقع منه الفسق من الاختلاط المحرم، وقد يكون بينهم مَن يشرب المسكر، ومَن يتعاطى المعازف، وغير ذلك مما ذكره أهل العلم. ومنهم مَن يحصل منه الشرك، وذلك بالغلو في النبي صلى الله عليه وسلم ورفعه فوق منزلته وإعطائه بعض خصائص الرب جل وعلا من علم الغيب وإغاثة الملهوف مع أنه ميت في قبره بنص القرآن: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}، {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} وغيرهما من النصوص الشرعية.
إلا أن أصل الاحتفال بالمولد بدعة، أما ما يقع فيه فيُحكم على كل فعل أو قول بحسبه وفقاً للنصوص الشرعية والقواعد المرعية. وهذا لا يعني أن كل مَن يحتفل بالمولد فإنه مشرك كما زعم الرفاعي في اتهامه للشيخ ابن باز رحمه الله.
2- زعْمه أن الشيخ يرى أن مَن يحتفل بالإسراء والمعراج فإنه مشرك، فهذا باطل وافتراء؛ فإن الشيخ - رحمه الله - قد ألَّف رسالة في حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج بيَّن فيها بدعية ذلك الاحتفال، وأيَّد قوله بالأدلة الشرعية الصريحة الصحيحة فلتراجع: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز رحمه الله، الجزء الأول، ص183-185. ولم يحكم على مَن احتفل بهذه الليلة بالشرك.
3- وأما زعمه بأن الشيخ رحمه الله يقول: من ذهب ليزور المسجد ليزور النبي صلى الله عليه وسلم فسفره معصية. فهذا باطل أيضاً، والشيخ - رحمه الله - له فتوى في ذلك بخصوصه؛ حيث سُئل رحمه الله: ما حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من قبور الأولياء والصالحين وغيرهم، فقال: لا يجوز السفر بقصد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الناس في أصح قولي العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) متفق عليه. والمشروع لمن أراد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعيد عن المدينة أن يقصد بالسفر زيارة المسجد النبوي، فتدخل زيارة القبر الشريف وقبري أبي بكر وعمر والشهداء وأهل البقيع تبعاً لذلك. وإن نواهما جاز؛ لأنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، أما نية القبر بالزيارة فقط فلا تجوز مع شد الرحال، أما إذا كان قريباً لا يحتاج إلى شد رحال ولا يُسمَّى ذهابه إلى القبر سفراً فلا حرج في ذلك؛ لأن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه من دون شد رحال سنة وقربة، وهكذا زيارة قبور الشهداء وأهل البقيع، وهكذا زيارة قبور المسلمين في كل مكان سنة وقربة، لكن من دون شد الرحال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (زوروا القبور؛ فإنها تذكِّركم الآخرة) أخرجه مسلم في صحيحه. وكان صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) أخرجه مسلم أيضاً في صحيحه.
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ ابن باز رحمه الله، الجزء الثامن، ص336، 337.
4- زعمه بأن الشيخين ابن باز وابن عثيمين يقولان: إن الوقوف أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء شرك، فهذا كذب صريح وتلبيس على العوام؛ فإن الوقوف أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم والسلام عليه صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أمر مشروع لمن كان بالمدينة، وهي من الزيارة المشروعة، أما دعاء الله أمام القبر مستقبلاً القبر مستدبراً القبلة فهذا غير مشروع.. جاء في رسالة من الشيخ ابن باز - رحمه الله - إلى المرموز لاسمه ب(ع. م. ع.) قوله رحمه الله: ونفيدكم أن الدعاء عند القبور غير مشروع، سواء كان القبر قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، وليست محلاً للإجابة، وإنما المشروع زيارتها والسلام على الموتى والدعاء لهم وذكر الآخرة والموت.. أحببنا تنبيهك على هذا حتى تكون على بصيرة، وفي إمكانك أن تراجع أحاديث الزيارة في آخر كتاب الجنائز من بلوغ المرام حتى تعلم ذلك، وفقنا الله وإياكم لاتباع السنة والعمل بما يرضي الله سبحانه ويقرب لدينه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ا. ه. مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز رحمه الله، الجزء السادس، ص327.
5- زعمه أن كتب الشيخين مليئة بالتكفير والتشريك حسب تعبيره، ونحن نقول: بل كتبهم مليئة بالعلم النافع والتوجيه والنصيحة والذب عن حياض الشريعة وتعظيم السنة والذود عنها والرد على من خالفها، وهذه كتبهم بين أيدينا شاهدة على هذا. أما التكفير ونحوه فهذا حكم شرعي يتطلب العلم والبصيرة وتوفر شروطه وانتفاء موانعه، وإلا فإن الخائض فيه سيهلك. والتكفير والتفسيق ونحوها أحكام جاءت في كتاب الله عز وجل، أليس الله عز وجل يقول: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ}، ويقول: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}، وغيرهما من الآيات الكثيرة في كتاب الله عز وجل التي توضح بجلاء الحكم في مثل هذه القضايا. فوجود الحكم بالكفر على أفعال أو أقوال جاء الحكم فيها بالكفر في الكتاب والسنة أو الإجماع هذا حق لا ريب فيه واتباع للشرع ووضع للأمور في مواضعها، بل إن جميع الفقهاء الذي صنَّفوا في أبواب الفقه يعقدون باباً في أحكام المرتد، وهو الذي كفر بعد إسلامه، فهل مثل هذا يكون سبباً للطعن عليهم. ومع هذا فإن الشيخين - رحمهما الله - من أعفّ الناس لساناً وأقلّهم خوضاً وأشدهم احتياطاً في مسائل التكفير والتبديع، ومن تتبَّع كتبهما بتجرُّد وجد مصداق ما ذكرناه. أما تكفير الناس بعامة أو من دون تثبُّت فهما - ولله الحمد - أبعد ما يكونا عن هذا السبيل، بل هما قد وقفا وقفة صادقة وقوية أمام التكفيريين وبيَّنوا بطلان وفساد اعتقادهم ومنهجهم، رحمهما الله رحمة واسعة.
6- أما زعمه - عفا الله عنه - بأن الشيخ ابن باز - رحمه الله - أنكر وصول الإنسان إلى القمر ولم يصدِّقه حتى صعد الأمير سلطان إليه، وأنه يستدلُّ بقول تعالى: {لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ}، فهذا من أعجب العجب، وذلك أن الشيخ ابن باز - رحمه الله - قد ألَّف رسالة في إمكان الصعود إلى الكواكب في الثمانينيات الهجرية، وهي موجودة ضمن مجموع الفتاوى له رحمه الله، الجزء الأول، ص254 - 265، وقد بيَّن فيها أنه لا يوجد في الأدلة الشرعية ما يمنع وصول الإنسان إلى الكواكب، وهذه الرسالة قد ألَّفها - رحمه الله - قبل أن يوجد الأمير سلطان بن سلمان، فكيف يزعم الرفاعي أن الشيخ لم يصدق إلا بعد أن صعد الأمير سلطان إلى القمر. أما الاستدلال بهذه الآية الكريمة على اعتبار أن (سلطان) الوارد فيها يقصد به الأمير سلطان فهذا لا يفوه به من يعلم ما يقول ويعقل عن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم الخطاب، فكيف يُرمى به عالم إمام محدث مجتهد سلَّم له بالإمامة والفقه والعلم والمعرفة بالنصوص الشرعية علماء عصره، ولا نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل.
القسم الثاني: أمور نسبها إلى الشيخين وهما أو أحدهما يقول بها ولا مطعن عليه فيها، وهي:
1- قوله عنهما: ويقولون إنه لا يجوز أن نعقد ختمة قرآن للميت.
2- قوله: وبعضهم حرَّم الجلوس للعزاء.
والجواب:
1- أما قوله: ويقولون إنه لا يجوز أن نعقد ختمة قرآن للميت، فهذا غير دقيق؛ فإن المسألة خلافية يسع الخلاف فيها، والشيخ - رحمه الله - يقول: إن الأحوط ترك ذلك، ولم يقل: إنه لا يجوز. وقد سُئل رحمه الله: أقوم أحياناً بالطواف لأحد أقاربي أو والدي أو أجدادي المتوفين، ما حكم ذلك؟ وأيضاً ما حكم ختم القرآن لهم؟ جزاكم الله خيراً.. فأجاب: الأفضل ترك ذلك لعدم الدليل عليه، لكن يشرع لك الصدقة عمن أحببت من أقاربك وغيرهم إذا كانوا مسلمين، والدعاء لهم والحج والعمرة عنهم، أما الصلاة عنهم والطواف عنهم والقراءة لهم فالأفضل تركه لعدم الدليل عليه، وقد أجاز ذلك بعض أهل العلم قياساً على الصدقة والدعاء، والأحوط ترك ذلك؛ لأن الأصل في العبادات التوقيف وعدم القياس. انظر مجموع الفتاوى له رحمه الله، الجزء الثالث عشر، ص258، 259.
2- أما قوله: وبعضهم حرَّم الجلوس للعزاء، فهذه مسألة اجتهادية، والشيخ ابن باز - رحمه الله - يرى جواز الاجتماع لتلقي العزاء في بيت المتوفى أو ذويه؛ لأن ذلك أعون على أداء السنة، وهذا نص فتواه رحمه الله: لا أعلم بأساً في حق مَن نزلت به مصيبة بموت قريبه أو زوجته ونحو ذلك أن يستقبل المعزين في بيته في الوقت المناسب؛ لأن التعزية سنة، واستقبال المعزِّين مما يعينهم على أداء السنة، وإذا أكرمهم بالقهوة أو الشاي أو الطِّيب فكل ذلك حسن.
وأما الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - فإنه يرى المنع فيه، يقول - رحمه الله - في جواب استفتاء حول هذا الموضوع: الاجتماع للعزاء مكروه بدعة، وإذا حصل معه إطعام المجتمعين صار من النياحة؛ قال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: كانوا يعدُّون الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة، ولم يكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه المهتدون فيما نعلم لم يكونوا يجتمعون يتلقون معزين أبداً، غاية ما في الأمر أنه لما جاء نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اصنعوا لآل جعفر طعاماً؛ فقد أتاهم ما يشغلهم). ولم يجتمع إلى آل جعفر علي بن أبي طالب وهو أخوه، ولا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عمه، ولا أحد من أقاربه فيما نعلم، لم يجتمع إلى آل جعفر ليأكلوا من هذا الطعام، ولا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، والتعزية من العبادة، والعبادة لا بد أن تكون على وفق ما جاءت به الشريعة، وقد صرَّح بعض أهل العلم بأن الاجتماع بدعة، وصرح فقهاؤنا الحنابلة - رحمهم الله - في كتبهم بأن الاجتماع مكروه، ومن العلماء من حرَّمه.
وكما ترى فإن الشيخ رحمه الله أفتى بحسب ما بلغه علمه، وقد أحسن مَن انتهى إلى ما سمع، أما قول الرفاعي بأن الصحابة كانوا يعزي بعضهم بعضاً في المسجد فهذا يحتاج إلى نقل، وإن ثبت فإن فتوى الشيخ ابن عثيمين لا تعارضه، هو يمنع من الاجتماع لتلقي العزاء في بيت الميت، ولا يمنع العزاء مطلقاً، بل يراه سنة كما سبق في النقل عنه. وبكل حال فالمسألة محل اجتهاد ونظر.
هذه جملة المسائل التي طعن بها الأخ يوسف الرفاعي على سماحة الشيخين العلمين الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله وسماحة العلامة الشيخ محمد العثيمين رحمه الله، وقد طوينا ما ذكره من ألفاظ التهجم والتهكم والانتقاص لشخصيهما رحمهما الله؛ لأن القصد بيان الحق في المسائل العلمية التي قد يلتبس الحق فيها بالباطل على كثير من الناس، أما السباب والشتام وألفاظ التنقُّص فهذا ليس له إلا الإعراض عنه؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشاً ولا متفحِّشاً. ونحن ندعو أخانا الرفاعي إلى أن يكون قلبه سليماً على إخوانه المسلمين، وأن يستغفر الله ويتوب إليه ويعلن توبته؛ عسى أن يغفر الله له، وأن تكون حالنا كحال الذين قال الله فيهم: {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}. وكما قال السلف: فإن الحق قديم، والرجوع إلى الحق علامة على الفضل والخيرية، ونحن لا ندَّعي العصمة لعلمائنا، إلا أن الحق أحق أن يتبع، وتقويل الناس ما لم يقولوه جناية عظيمة، فكيف بها حين تكون هذه الجناية في حق علماء معتبرين مقتدى بهم؟! لا شك أن الأمر أعظم خطراً.
نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يغفر لموتانا وسائر موتى المسلمين، ويجزي عنا الإمامين العَلَمَيْن الإمام ابن باز والإمام ابن عثيمين - رحمهما الله - خير الجزاء وأوفاه.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.