تبقى القيم الإنسانية محل توافق بين جميع الأمم والشعوب، ذلك أن هذه القيم مدعاة إلى بقاء العنصر الإنساني على وجه البسيطة، ولعل العدل أعظم هذه القيم إلحاحاً في ضرورة بقائه؛ إذ بانتفائه وذهابه تعيش المجتمعات الإنسانية تحت مظلة الخوف وعدم الأمن، بل تنعدم بسبب ذلك كل حرية مطلوبة. يقال مثل ذلك وقضية المواطن السعودي حميدان التركي تشكل اليوم منعطفاً بارزاً في الإبقاء على تلك القيم في ظل مجتمع ينادي أصحابه برفع الظلم وإرساء العدل، ونشر الحرية. إن مجرد التأمل في الاتهام الموجه إلى الأستاذ حميدان التركي - بغض النظر عن مصداقيته وثبوته - يبعث على شيء من اليأس حيال بقاء تلك القيم في ذلك المجتمع، إذ كيف ذهب القضاء الأمريكي (الحر والنزيه!!) بهذه القضية إلى هذه الأبعاد؟!، وأين التوازن في صدور الأحكام فيها مع ماهو أعظم منها قصداً وعملاً وسلوكاً؟!، ناهيك عن التصرفات غير المتزنة والأساليب غير السوية في التعامل مع أطفال يافعين. من أعظم المفارقات وأوضحها جلاءً في قضية الأستاذ حميدان التركي تشنيع بعض أفراد ذلك المجتمع على بلادنا في قضائها ومحاكمها بينما نحن نرى ونسمع بملء العين والبصر بعضاً من عدم الإنصاف والبعد عن العدل في القضاء الأمريكي ومحاكمه. يزداد احترام العقلاء للمجتمعات حينما تكون المبادئ التي ينادي بها أصحاب تلك المجتمعات هم أول من يقوم بتنفيذها، والعمل بها، وتطبيقها، وينقلب الأمر إلى عكس الاحترام وضده حينما تكون تلك المبادئ مجرد كلام صوتي وقول لفظي الواقع ينقضه والتطبيق يخالفه والشاهد يكذبه. إن على الإدارة الأمريكية أن تعي أن قضية الاستاذ حميدان التركي ليست قضية مواطن سعودي اتهم في قضية وصدر بحقه حكم جائر، بل هي قضية إثبات للمصداقية في الأقوال، والثبات على المبادئ، وإرساء القيم الإنسانية المشتركة، مؤملين أن تدرك الأبعاد الاجتماعية والثقافية في التعامل مع هذه القضية. [email protected]