شيء من تجربتي.. عنوان المحاضرة التي ألقاها الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة أمام نخبة من المفكرين والمثقفين والسياسيين ورجال الصحافة والإعلام، احتشد بهم صالون غازي الثقافي العربي بالقاهرة في أولى فعاليات دورته الرابعة عشرة التي افتتحت مؤخراً في القاهرة. قدَّم لمحاضرة المالك الدكتور غازي زين عوض الله مؤسس وصاحب الصالون مرحباً برئيس التحرير خالد المالك واصفاً تجربته الصحافية بالمميزة وبأنه مفكر كبير، ويحمل خبرات كبيرة اكتسبها المالك من عمله وسط أهل السياسة والعلم، ومن عقل مستنير وروح تتقبل كل جديد وقدرة على الإبداع والعطاء، منوهاً بأن شهادة المالك ستصدر في كتاب للصالون ليكون وساماً على صدورنا. وتحدث المالك في محاضرته عن بداياته الصحافية في جريدة الجزيرة، ثم مثابرته وإصراره على إصدار صحيفة المسائية التي كانت تجربة أولى ومميزة في تاريخ الصحافة السعودية في المملكة، ثم ابتعاده عن الجزيرة لمدة 15 عاماً وعودته مرة أخرى، والقفزات المتوالية التي شهدتها الجزيرة بعد عودته ولا تزال حتى الآن. وبعد أن استعرض خالد المالك مسيرته ومشواره الصحافي مع جريدتي الجزيرة والمسائية جاءت تعليقات وتساؤلات الحضور لتبرز جوانب مهمة في حياة خالد المالك الصحافية. فأشار د. عبد الملك الشلهوب وكيل عمادة البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إلى النقلة النوعية التي أحدثها المالك في صحيفة الجزيرة، حيث نقلها من صحافة رأي إلى صحافة خبر واستطاع التعبير عن قضايا وهموم الواقع، وفجَّر العديد من القضايا من خلال الخبر والرأي، فهو أول رئيس تحرير يفتح الصفحات للتحدث عن هموم الناس والمجتمع، وأضاف د. الشلهوب انه من المميزات التي تميز خالد المالك انه أفسح المجال واسعاً أمام الشباب وعمل على اجتذاب الخبرات، وكان يتعامل مع كل من حوله بروح التواضع والمثابرة، وكان كل شخص يعمل معه يتعلَّم منه، كما استطاع أن يحفز الجهود من خلال المكافآت والتشجيع المادي والمعنوي. بين السطور أما صلاح عبد اللطيف نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط فأكد في مداخلته أن تجربة خالد المالك تندرج تحت عنوان مذكرات رواد الصحافة والإعلام، وقد أعدت رسائل ماجستير ودكتوراه عن مثل هذه المذكرات في كليات الإعلام وتوجد أمثلة عديدة منها (العقاد صحافياً وفكري اباظه صحافياً). وكثير من الصحافيين كتبوا مذكراتهم وأضاف عبد اللطيف رغم أنني لا أستطيع أن أحاكم حديث خالد المالك الآن ولا أستطيع القول انه كتب عن هذا وذكر هذا ولم يذكر ذاك، لأن الوقت لا يكفي للحديث عن تجربة الأستاذ خالد الطويلة، من هنا فالمطلوب تأليف كتاب أو كتابة سلسلة من الأحاديث حتى نوفيه حقه، لكن من الواضح والمؤكد أن خالد المالك ترك بصمة في الصحافة السعودية، وتاريخ الصحافة السعودية طويل وعريق مستمد من عراقة المملكة؛ لان كل صحافة تعبر عن مجتمعها وبالتالي فإنني اعتز كل الاعتزاز بحديث الأستاذ خالد المالك، غير أن هناك بعض التساؤلات اعتقد أن الوقت لا يكفي للإجابة عنها الآن مثل لماذا وكيف قضيت 15 عاماً بعيداً عن الجزيرة قبل أن تعود إليها فلم تذكر لنا منها شيئاً؟! من جانب آخر ألقى الأستاذ منصور الخريجي نائب رئيس المراسم الملكية سابقاً الضوء على كيفية كتابة السيرة الذاتية في عالمنا العربي وكيف جاءت سيرة خالد المالك الصحافية في هذا السياق، مشيراً إلى أن كاتب السيرة يلجأ دائماً إلى وسيلتين: الأولى انه يتكلم عن حياته الأولى وبداياته في الطفولة ورحلة كفاحه حسبما كتبت أنا في سيرتي، أما الوسيلة الثانية فهي انه يتكلم عن أشخاص غيبهم الموت ورحلوا عن حياتنا انطلاقاً من مفهوم أن الميت لا يرد.. وبشكل عام فإن كتابه السيرة بها بعض الحذر والحساسية ونحن في الدول العربية عموماً نعيش حياة مزدوجة، غير أن خالد المالك لم يلجأ إلى ذلك بل لجأ إلى حيلة لطيفة ربما للتهرب من الحديث عن نفسه حيث تحدث عن الآخرين، وثمن الخريجي ما هي عليه صحيفة الجزيرة وقال إنها أصبح لها ثقلها ومكانتها كما أصبحت واسعة الانتشار. جرأة ومثابرة وفي مداخلته عاد الأديب والمفكر عبد الله الشهيل بذاكرته إلى الوراء حينما كان يعمل في الجزيرة مشرفاً على القسم الثقافي خلال رئاسة الأستاذ المالك تحرير الجزيرة في الفترة الأولى، كما كان من كتاب الجزيرة آنذاك ولكن ليس بشكل مستمر، فقال من خلال هذه المعايشة عن قرب أؤكد أن خالد المالك من النوع الذي لا يتنازل ويمتاز بالجرأة، فقبل أن يتولى المالك رئاسة التحرير مرة أخرى كانت الجزيرة تشهد تراجعاً كبيراً واستطاع إنعاش الجزيرة وجدد فيها الدماء واستطاع أن يقفز بها قفزة نوعية لينافس كبريات الصحف في الوطن العربي.. وأضاف الشهيل: خالد المالك يمثل بحق مدرسة، فعلى يديه تخرج الكثير من الصحافيين الذين تبوأوا مناصب صحافية مرموقة. ووصف الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد محاضرة المالك بالأنيقة والدقيقة في آن واحد، مشيراً إلى أن ما استمعنا إليه ليس سيرة ذاتية ولكن تجربة صحافية مميزة، وإن كان كما قال البعض بأنه قفز على ما يتعرض له الصحافي من مشاكل وصعوبات وأنا صحافي وإعلامي وشاعر وأعرف أن هناك صعوبات قد تعمد خالد المالك أن يبتعد عنها إلى حد ما واختار ما هو إيجابي وذا دلالة لنستفيد منها. في نهاية هذه الأمسية تقدم المالك بالتحية إلى د. غازي وذكر قصة تعارفهما فقال: تعرفت عليه أول مرة كاتباً في الجزيرة ومرة أخرى من خلال اشتراكنا معاً في حوار بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، خلال اختيار الرياض عاصمة للثقافة العربية ومثلما انقطعت علاقتي بالجزيرة 15 عاماً انقطعت علاقتي أيضاً بالدكتور غازي لفترة طويلة، ثم فاجأني باختياري ضمن المكرمين العام الماضي وقد فاجأني أيضاً باختياره لي لتقديم هذه المحاضرة أمامكم.