* الثقافية - علي سعد القحطاني: (العقل السليم في الجسم السليم) وعجبا للذين يفرقون بين الثقافة والرياضة، والحقيقة أن كل منهما مكمل للآخر، فالمبدعون لا ينتجون إبداعاتهم إلا وهم في ذروة شبابهم، والشباب نعلم أنه يحتاج إلى طاقة وحيوية توفرها الرياضة خصوصاً ونحن نعيش في هذه الأيام طيلة شهر كامل نهائيات كأس العالم بألمانيا 2006م التي غطت أحداثها وأصبحت محل اهتمام جميع شرائح المجتمع وطبقاته في جميع أصقاع العالم، وليت المثقفين في هذه الأيام يتنازلون عن أبراجهم العاجية ويدعون تنظيراتهم التي هي بعيدة كل البعد ويفكرون في كيفية تسويق إبداعاتهم عبر كأس العالم. ووصول اثنين وثلاثين منتخباً إلى نهائيات كأس العالم بغض النظر عن مستواها يضعها أمام اهتمام الرأي العالمي وما يشغل بال المثقفين في هذه الأيام هو كيفية تسويق إبداعاتهم وثقافاتهم وعطاءاتهم الفكرية عبر مونديال القرن كأس العالم، ويود المثقفون لو يشاركون اللاعبين على قدم المساواة في هذا المونديال العالمي فيلقون تنظيراتهم وإبداعاتهم وأوراقهم الثقافية ما بين الشوطين.. ويوزعون كتبهم مجانا على الجمهور بعد أن عانت من تكدس في المخازن.. وها هي فرصتهم الثمينة في تسويق ثقافاتهم، فعلى الأقل يوجد من بين الجمهور الرياضي من يهتم بالثقافة، ولكن بشرط أن يهتم المثقفون أولا بالرياضة ويهجرون أقلامهم وقراطيسهم ويريحوا أدمغتهم من الثقافة لمدة شهر لكي يتابعوا المونديال العالمي ويدعو تنظيراتهم وسفسطاتهم التي لن تنتهي ويحيلوا تلك التنظيرات الثقافية إلى مداولات رياضية وتحليلات حول مستوى المنتخبات المشاركة. ويتساءل المثقفون عن سر الاهتمام بتلك الرياضة، فالرياضي يشتهر في بضعة أيام وأشهر.. بينما المثقف يولد.. ويكب على قراءاته وأبحاثه وربما يشيخ ويموت ويسكن القبر ولا أحد يعرفه.. يتساءل المثقفون عن ذلك الاهتمام ويتمنون لو أنهم يملكون ربع جمهور الملاعب الرياضية ويملؤون أروقة الأندية الأدبية ومنتدياتهم الثقافية. يتساءل المثقفون وهم يتابعون أحداث المونديال العالمي: لماذا الجمهور يشتاط نشاطاً ويشتعل حماساً بينما يصيبه الملل والتثاؤب وربما النعاس عندما يستمع إلى محاضرة، الجواب كما قال أحدهم بسيط.. المثقف عندما يتحدث فإنه يتحدث بمصطلحات غامضة.. لا يكاد يفهمها الجمهور ويقودهم إلى عالم آخر.. عالم مثالي، فالمثقف يرفض واقعه ويحاول أن يصطنع في خياله المدينة الفاضلة ويزودها بتعليماته ووصاياه، لذا يهرب الجمهور من هذا المثقف المثالي إلى الرياضة.. وبالأخص رياضة كرة القدم التي تعد سهلة يفهمها الصبي والعجوز على حد سواء، لا تتطلب مهارات عقلية بقدر ما تتطلب قدرات بدنية ثم إن زمنها قصير ساعة ونصف الساعة زمن المباراة على مدى شوطين ذلك الزمن قصير نسبيا إلى الزمن المخصص لقراءة كتاب من مائتي صفحة يحتاج إلى خمس ساعات لقراءته من القارئ العادي.. أضف إلى ذلك أن الكتاب، كما يقول أحدهم، يُصيرنا لاواقعيين ويجعلنا نعيش في عالم آخر.. مليء بالأوهام والمثاليات والافتراضيات البعيدة كل العبد عن أرضية الواقع.. بينما رياضة كرة القدم تشدنا إلى الواقع وتجعلنا نستمتع في كل لحظة بأحداثها المثيرة، ثم ما الذي يدفعنا إلى قراءة كتاب يتنازل مؤلفة عن مشروعه الثقافي في آخر سطر بعد أن أشغلنا طيلة السنين عبر منتدياته الثقافية وتصريحاته الصحفية بمشروعه القادم وفي آخر سطر يتنازل عن كل ذلك بعد أن أشغل الدنيا وأقامها وأقعدها ها هو يتنازل المثقف عن إملاءاته ووصاياه كالفارس الذي يضع سيفه جانبا ويهرب من المعركة.. حقا إن المثقفين يتشوقون إلى معرفة كيفية تسويق إبداعاتهم عبر هذا المونديال والحقيقة أن العالم يتطلع إلى معرفة ثقافات تلك الشعوب المشاركة وأفكارهم وتطلعاتهم ورؤاهم في الحياة، فقد أصبحت تلك الاثنين والثلاثين منتخباً في قائمة (الأنموذج العالمي) الذي يحتذى به في سلوكه وعطائه وإنتاجه، والمثقفون يتطلعون إلى مؤازرة منتخباتهم في هذا المونديال بالمشاركة الثقافية لتسليط الأضواء نحو الزاد الفكري والوعاء الثقافي لبلدانهم، ويتمنى جمهرة من المثقفين أن تكون هناك منتديات ثقافية مصاحبة لذلك المونديال يعرض من خلالها أدب تلك الشعوب من شعر ومسرح وإبداع.. خصوصا أن الأدب بجميع مناشطه لا ينتجه في العالم إلا الشباب، ولو تأملنا في أسماء المنتخبات المشاركة في المونديال لوجدنا أن لها ثقافات وجذورا ضاربة في أعماق التاريخ وليت الإعلام بوسائله المختلفة يسعى إلى التعريف بها وتسليط الأضواء عليها، فألمانيا مثلا التي تستضيف المونديال ويشارك منتخبها فيه لها حضارة وإبداع، وقس على ذلك جميع آداب الشعوب المشاركة كالأدب الإيطالي والأدب البرازيلي والأدب والأرجنتيني والأدب الأنغولي والأدب الإنجليزي وغيرها من الآداب الأخرى.. ويعد هذا المونديال فرصة لعرض ثقافاتنا على الآخر خصوصاً الثقافة العربية المتجسدة في الأدب السعودي والأدب التونسي اللذين يشاركان بمنتخبيهما في هذا المونديال، وحينما تتعرف الشعوب على تلك الثقافات المشاركة في نهائيات كأس العالم فإنه ينتج عن تلك المشاركة الإيجابية إيجاد التوازن والتسامح بين الثقافات ويشمل حينها لغة الحوار في أكبر قدر من أصقاع العالم، أضف إلى ذلك أن مشاركة المثقفين فيما إذا تم تحقيقه يعد تكريما على الأقل لمثقفي تلك المنتخبات المشاركة خصوصاً وأن الأدب العالمي مليء بالروائع الأدبية الخالدة التي ولدت منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا، والمونديال فرصة ثمينة لتسليط الضوء على ذلك الأدب المنسي.