البحرين تعرب عن دعمها للجهود الهادفة إلى تعزيز الأمن والاستقرار في اليمن    120 صقارًا يدشنون أشواط نخبة المحليين في انطلاق مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور    انطلاق تجربة Flying Over Saudi ... أول تجربة من نوعها تُحلق بالزوّار فوق أبرز معالم المملكة ضمن فعاليات موسم الرياض    «بيئة مكة» تمكّن الأطفال من الابتكار التطوعي البيئي عبر هاكاثون «غراس» الأول    روسيا تنفي التقارير حول عزمها تعديل الخطة الأمريكية للتسوية في أوكرانيا    الرئيس التركي يلتقي رئيس مجلس السيادة السوداني    ترسيخ ثقافة العطاء والانتماء    اتحاد الغرف السعودية يكرم السلامة    آل الشيخ: جائزة طارق القصبي نموذج وطني لدعم البحث والابتكار في الهندسة المدنية    المطر والحنين    رئاسة الشؤون الدينية تدعو قاصدي الحرمين إلى الالتزام بآداب وفضائل يوم الجمعة    واشنطن مُهددة في سباق الذكاء الاصطناعي    الاتفاق يكسب الرياض بثنائية في دوري روشن للمحترفين    نيوم يتغلب على النجمة بثنائية في دوري روشن للمحترفين    رومانو : ريال مدريد غير مهتم بالتعاقد مع لاعب الهلال روبن نيفيز حاليًا    القبض على (7) مخالفين في جازان لتهريبهم (126) كجم "قات"    من البحث إلى التسويق الجامعات في فخ التصنيفات العالمي    الفصحى: جمع شمل    الهلال يختتم التحضيرات لمواجهة الخليج    برعاية وزير التعليم جامعة أم القرى تفتتح ورشة "تبادل التجارب والممارسات المتميزة في كفاءة الإنفاق لمنظومة التعليم والتدريب"    جامعة أم القرى تستضيف اجتماع وكلاء الجامعات السعودية للشؤون الإدارية والمالية    «أرفى» تكرّم الجهات الداعمة لمسيرة العطاء مع مرضى التصلب المتعدد    نائب أمير جازان يستقبل نائب الرئيس التنفيذي للمؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام "إخاء"    جمعية أدبي جازان تشارك في ليالي المكتبات ببيت الثقافة    الأمير بندر بن خالد الفيصل: مهرجان كؤوس الملوك والأمراء يحظى بدعم واهتمام القيادة        مركز الحياة الفطرية يطلق 61 كائناً فطرياً بمحمية الملك خالد الملكية    الشؤون الإسلامية في جازان تُقيم ورشة عمل لتأهيل المراقبات بمساجد محافظة أبو عريش    ‏نائب أمير منطقة جازان يستقبل نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين    مدير عام فرع الشؤون الإسلامية في جازان يتفقد جوامع ومساجد العيدابي ويفتتح مسجد النور    د. مريم الدغيم تحصل على براءة الاختراع الأمريكية    ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 32.3% في أكتوبر 2025    وزير الشؤون الإسلامية يستقبل سفير خادم الحرمين الشريفين لدى فيتنام    إنفاذ يشرف على 75 مزادا عقاريا لتصفية وبيع أكثر من 900 أصل في مطلع 2026    تكريم الجمعيات المتميزة وقادة العمل التطوعي في جازان خلال حفل مركز التنمية الاجتماعية    جولة ميدانية للوقوف على جاهزية الواجهة البحرية بقوز الجعافرة استعدادًا لانطلاق المهرجان الشتوي    السعودية: تحركات المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة تمت دون موافقة مجلس القيادة الرئاسي أو التنسيق مع قيادة التحالف    نائب أمير تبوك يواسي أسرة الخريصي في وفاة الشيخ أحمد الخريصي    تطبيق علاج وقائي للحد من تطور السكري    ارتفاع النفط والذهب    نقاشات أمنية وسياسية تسبق لقاء نتنياهو وترامب.. حدود جديدة لإسرائيل مع غزة    في دوري أبطال آسيا 2.. النصر يدك شباك الزوراء العراقي بخماسية    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. تقليد نهيان بن سيف وشاح الملك عبدالعزيز    الشيباني: العلاقات مع روسيا تدخل مرحلة إستراتيجية جديدة.. الداخلية السورية تتهم «قسد» بالتجنيد الإجباري في حلب    صندوق الطائرة الأسود قرب أنقرة.. تركيا تعلن العثور على جثة رئيس الأركان الليبي    لوحات مجدي حمزة.. تجارب من واقع الحياة    المملكة في صدارة الدول بالترفيه الرقمي ب34 مليون مستخدم    سلطان عمان يمنح قائد الجوية السعودية «الوسام العسكري»    40 ألف متدرب مخرجات الأكاديمية الصحية    هندية تصلح عطلاً برمجياً في حفل زفافها    «الجوازات» تصدر 17.767 قراراً إدارياً بحق مخالفين    استدعاء 40 شخصاً نشروا «محتوى يثير التأجيج»    تنفيذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وزير الداخلية يطلع على مبادرات الجوف التنموية    الإطاحة بطبيبة المشاهير المزيفة    الشباب يعلن غياب مهاجمه عبدالرزاق حمد الله لقرابة شهرين    مرحوم لا محروم    نائب أمير تبوك يواسي أسرة الخريصي في وفاة الشيخ أحمد الخريصي    النيكوتين باوتشز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعليم العالي وتحديات العصر

يقول علماء الاجتماع: إن بقاء الأمم والحضارات لا يرتبط بقوتها، وإنما بمدى استجابتها للتغيير حسب متطلبات الحال والمستقبل. وفي مجال التعليم العالي: تخيل وجود جامعة من دون قاعات دراسية أو من دون مكتبة! تخيل وجود جامعة تبعد عن سكن طلابها عشرة آلاف ميل! ويمكنك أن تتخيل وجود جامعة بلا مقررات دراسية أو تخصصات أو حتى شهادات! وتخيل أن الشهادة الجامعية التي تحصل عليها صالحة لخمسة أعوام فقط! وتخيل أن مؤسسات التعليم العالي يتم ترتيبها وفقاً لمستوى اتصالها وتعاملها بالإنترنت! وأبعد من ذلك تخيل أن دولة ما! تأتي مبيعاتها من خدمات التعليم العالي في مقدمة صادراتها.
تُرى هل هذه التخيلات من قبيل شطحات الخيال العلمي، أم أنها قصص واقعية، تتحدث عن ثورة في مجال التعليم العالي؟ ففي السنوات القليلة الأخيرة شهدت الكثير من الدول تحولات هامة في أنظمة تعليمها العالي، إلا أن سرعة التغير في خريطة التعليم العالي تتفاوت بين دولة وأخرى، حتى أن بعض الجامعات العريقة في العالم أصبحت على وشك الانهيار تحت ضغط الأعداد الهائلة، التي تصل إلى مئة ألف طالب يشغلون قاعات صممت في الأساس لتستوعب أقل من عُشر تلك الأعداد. وفي ظل هذه المتغيرات السريعة، ما مصير مؤسسات التعليم العالي العاجزة عن التغيير؟
مع مطلع هذا القرن (الحادي والعشرين)، برزت ثلاثة تحديات رئيسة لتواجه مؤسسات التعليم، وهي: العولمة الاقتصادية، والأهمية المتزايدة للمعرفة وثورة المعلومات والاتصالات. وهذه التحديات الثلاثة تُنبئ بتغيرات جذرية في عدد من مجالات التعليم العالي. تؤكد الوقائع أن الاتجاه نحو اكتساب المزيد من المهارات الأعلى تزايد في الدول التابعة لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، كما هو الأمر في أكثر الدول تقدماً. وتوضح الإحصائيات الحديثة ارتفاعاً في معدل العائد من التعليم العالي، وهو ما يناقض الاتجاهات المبكرة في ثمانينيات القرن العشرين، وتزداد أهمية التدريب على رأس العمل والتعليم المستمر، لارتباطه بانتظام تحديث المعرفة، وتطوير المهارات، إذ إن الاتجاه التقليدي الذي يقضي بضرورة الحصول على المؤهل العلمي أو الدرجة العلمية قبل الولوج في الوظيفة والحياة العملية، يتم استبداله - الآن - بشكل مطرد عبر التعليم المستمر، فالهرم التقليدي للجامعة الذي تأتي في قاعدته أغلبية من طلاب المستوى الأول، وعلى قمته مجموعة صغيرة من المتوقع تخرجهم، يتم استبداله بهرم مقلوب، تشغل الجزء الأصغر منه أقلية من الطلاب الذين يدرسون في الجامعة للمرة الأولى، ومن ثم مجموعة أكبر من الطلاب الذين يتابعون الدراسة للحصول على المستويين الثاني والثالث، أما الجزء الأكبر من الهرم فيشغله الدارسون الملتحقون ببرامج التعليم المستمر.
إن سرعة التقدم الفني وتزايده قللا من أهمية اكتساب المعرفة الحقائقية، كما قللا من الاهتمام بالمعلومات المنهجية والتوجه نحو التعليم المستقل، وذلك لأن الكثير من الفروع العلمية قد تعتبر أن المعرفة الحقائقية التي تدرس في السنة الأولى لا تصلح لمواكبة العصر عند التخرج، وربما قبل التخرج، وفي ضوء ذلك فإن تعلم كيفية التعلم أصبح أكثر أهمية من حفظ معلومات محددة، حينئذ تعطى الأولوية لأبحاث المعلومات والمهارات التحليلية.
وهناك تطور آخر في مؤسسات التعليم العالي، وهو الجاذبية المتزايدة، والتوجه العام نحو الدرجات الجامعية ذات المنحى التطبيقي العالمي، ففي الولايات المتحدة الأمريكية ظهرت أعداد متزايدة من الجامعات المرتبطة بشبكة الإنترنت، تقدم خدماتها للطلاب على مستوى العالم، منها جامعة (جونز) الدولية، التي تخدم طلابها في (38) دولة، وهي جامعة معترف بها عالمياً، كما أن معهد التقنية في مونتري قد أسس جامعة، لها فروع في المكسيك وأمريكا اللاتينية. كما شهدت دول آسيوبة وأوروبية تزايداً ملحوظاً في التحاق الطلاب ببرامج تقدمها مؤسسات ربحية تمثل الجامعات البريطانية والأسترالية.
وبذلك تستطيع تلك الجامعات وغيرها أن تتجاوز الحدود القُطرية عن طريق الإنترنت، أو الأقمار الصناعية، مما يجعلها تتنافس - بشكل فعال - مع الجامعات الوطنية المحلية. وتفتخر جامعة فينكس في كاليفورنيا بعدد طلابها الذي ينيف على ثمانين ألف طالب، وفي الولايات المتحدة وحدها هناك أكثر من ثلاثة آلاف مؤسسة تعليم عالٍ تمنح تدريباً على شبكة الإنترنت. وتدخل في هذا السباق والمنافسة، ولكن بشكل مغاير، الجامعات المشتركة، التي يصل عددها إلى ألف جامعة.
إن ظهور هذا النوع الجديد من المنافسة من شأنه أن يغير طبيعة الجودة النوعية المطلوبة في التعليم العالي. ويدور بين مؤسسات التقويم الأكاديمي شك واختلاف حول المبادئ والمعايير المستخدمة، في تقويم البرامج الأكاديمية المنفذة في تلك الجامعات، في حين يمكن استخدامها في تقويم نوعية مناهج الإنترنت المقدمة للطلاب. وعلى مستوى الدولة ثمة ضرورة لتطوير أنظمة المعلومات والاشتراك في الشبكات الدولية، لكي تكون قادرة على تقويم نوعية المناهج الأجنبية المتاحة لأبنائها.
لقد أحدثت التقنية الحديثة في مؤسسات التعليم العالي ثورة أخرى في طرق التدريس والتعلم، حيث تسمح الوسائط الإلكترونية المتعددة مع الحواسيب الآلية بتطوير روح التفاعل التعليمي بين الطلاب وأساتذتهم مع المادة العلمية؛ ففي البرازيل قدمت بعض كليات الطب والهندسة برامج الحاسب الآلي في تدريس الرياضيات، مما أدى إلى تناقص في عدد المنسحبين من هذه الكليات، من 70% إلى 30%. إن الانفجار المعرفي وظهور مجالات علمية وتكنولوجية جديدة يستلزم استحداث برامج وتخصصات وأقسام علمية متعددة الفروع والأغراض، وذلك تحقيقاً للإتقان والجودة؛ إذ ستكون لثورة المعلومات آثار بعيدة المدى على الكيفية التنظيمية للجامعات وترتيبها؛ ففي مايو عام 1999م نشر تقرير على موقع (ياهو) بعنوان: (أكثر من مئة كلية أمريكية مرتبطة بشبكة الإنترنت)، وتناول هذا التقرير نتائج مسح حديث، أجري على الجامعات الأمريكية ويهدف إلى تقوية البنية التحتية الحاسوبية لهذه الجامعات، ومستوى استخدامها للإنترنت في الميادين الأكاديمية والإدارية، ومدى تأمين الميزانية المتكررة اللازمة للحفاظ على تلك البنية التحتية. ونحن في المملكة العربية السعودية هذه الأيام نحتفل بمرور خمسين عاماً على إنشاء أم الجامعات السعودية (جامعة الملك سعود)، وقد وصل عدد جامعاتنا إلى عشرين جامعة، إضافة إلى عدد كبير من الكليات المتخصصة المنتشرة في ربوع الوطن. وبدخولنا في منظمة التجارة العالمية نكون قد دخلنا في هذا السباق الماراثوني الواسع، فما نحن فاعلون أمام هذه التحديات العاتية؟ وهل بمقدور جامعاتنا مسايرة الركب الحضاري العالمي، وتحقيق الأهداف السامية والخطط الطموحة والمصالح العليا لهذا الوطن؟
إن أول ما تحتاج إليه المؤسسات العاملة في حقل التعليم العالي هو المزيد من المرونة والتفاعل لمواجهة تلك التحديات. ويمكننا تحقيق المرونة والتفاعل باستحداث برامج جديدة وتخصصات حديثة إلى جانب إعادة النظر في البرامج الحالية وصياغتها؛ إذ يمكننا الاستغناء عن البرامج التي لا تتواكب مع متطلبات هذا العصر. وهنا نجد أن إجراء البحوث التطبيقية وتطوير الدراسات العليا ومواكبة سوق العمل ومستجدات العصر تتطلب أموراً لا بد منها مثل آليات التغذية الراجعة الهادفة كالدراسات المسحية التتابعية، والمشاركة المنتظمة في اتخاذ القرارات بالتعاون مع القياديين وأعضاء هيئة التدريس والطلاب والخريجين، والاستفادة من الخبرات والتجارب العالمية. وهذا لا يتسنى لمؤسسات التعليم العالي إلا بالتخلي عن الجمود والتقوقع والانكباب على الذات؛ مما يستدعي إجراء تحول هياكلها الإدارية، وأنماط عملها وطرق تدريسها ولوائحها التنظيمية وتجهيزاتها التقنية والتعليمية، حتى تتمكن من تأدية رسالتها الأكاديمية والتربوية المأمولة.
وخلاصة القول أن تحديات العولمة والنمو الاقتصادي المبنى على المعرفة وثورة المعلومات والاتصالات تشكل تحدياً وامتحاناً لنا، ولكنها - في الوقت نفسه - فرص عظيمة لا بد لنا من استغلالها ومواجهتها، وذلك بأن نبادر في الإصلاحات وإعداد الخطط التطويرية اللازمة لمؤسسات التعليم العالي. وفي غياب ورقة عمل موحدة تنظم كل هذه الأمور، لا يمكننا صياغة رؤية واضحة بكيفية مناسبة تعضد أنظمة التعليم العالي. وفي غياب ورقة عمل موحدة تنظم كل هذه الأمور، لا يمكننا صياغة رؤية واضحة بكيفية مناسبة تعضد أنظمة التعليم العالي ومؤسساته وتمكنها من الإسهام في بناء الوطن وتطويره، ومن ثم التماس ووضع آلية عملية لتنفيذ هذه الرؤية وآلية تراعي خصائص كل مؤسسة. على أن هذه التدابير هي وحدها القادرة - بعد الله - على إنهاض قامتنا التعليمية، تفعيلاً وتطويراً ومواكبة، والله الموفق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.