ها أنا أنقذ حروفي من براثن العتمة، وأشرع الأبواب لأطلقها.. تختزل المسافات الضابية، كم هي مجنونة عندما تنطلق بلا استئذان تقرع السطور البيضاء.! قرأت مؤخراً المجموعة القصصية للكاتب السوري أحمد مشوَّل (يوميات الوهم)خط في بداية الصفحة الأولى تلك العبارة (ينمو شجر الوهم في ذاكرتك مثل الثلج وعندما تأتي الشمس تذوب الأغضان من صقيع النار).بينما حملت الصفحة الثانية ضرباً من الجنون حين قال (في كل إبداع لا بد من صوت امرأة يدعوك إلى الجنون). يوميات الوهم بصفحاته يحوي الأربع والستين صفحة يعد نخبة من الإبداع القصصي القصير، امتزجت عذوبة الحرف بعطر الصور التي حفزت القارئ كي يمضي في ذاك السرداب الطويل تحت أتون ملتهب من الألم وآخر قالب ثلجي! يعد كتابه طوق نجاة يبحث فيه عن مأزق لهذا الخواء القاتم المتسع بما يحمله من صور إنسانية متعددة غابت في زمن تقافزت فيه الرغبات.! كم من التساؤلات تطرح؟ ليعاد ترتيبها مروراً بالتفاح القزحي، وصباح ولادة، وقلعة الجسد، مراكب الرغبة. مشوَّل برع في تشكيل تلك التجربة ونقلها بطريقة تجعل من الحدث ممكناً وها هو يمطر علينا عالماً من العفوية والعمق، الغرابة والوضوح. وكأن السماء سقت صفحاته بلون المطر العاجي لنبقى مأخوذين بذلك القطب السحري مطوقين به، ومن المحال الخروج منه. للكاتب نتاج من المؤلفات منها فضاء البياض الأسود دراسة سيسيولوجية لظاهرة القمع في الرواية العربية، شرفة الغياب، أشاطئ خصرها شجرا - شعر -. في بقعته كانت جداول الحنان تجري بين يديه، وها هو يستعيد ما تبقى من شهد اللحظات الماضية، ليؤسس مملكة الحزن في صحراء روحه، هذا المساء حمل إلينا رائحة ورده ممزوجة بنهايات شهر كانون الأول. حمل كتيبه جحيم رغبات متأججة تشتعل لتضيء خلايانا وأرواحنا!