حينما كانت (الرياض) رياضاً واحدة كان يكفيها إدارة واحدة للمرور وإدارة واحدة للجوازات وإدارة واحدة للأحوال وقد وضع مخططو الإدارة هذه الإدارات لكي تكفي تلك الرياض الواحدة ولكن ما لم ينتبه إليه المخططون هو هذا النمو الهائل والمتسارع لهذه المدينة العظيمة بحيث أصبحت حسب رأي الذين يزرعونها من أقصاها إلى أقصاها يحتاجون من كل الجهات ليقطعوا (100 كلم) على الأقل للخروج من ضواحيها المترامية الأمر الذي جعل بعض أصحاب الخبرة في التسكع بالمدن أن يعتبروها أكبر من القاهرة وأكثر امتداداً من بغداد؛ حدث هذا بزمن قياسي لم يفطن له (البلدانيون) الذين خبروا تواريخ المدن وذلك لأمر جد بسيط ألا وهو أن هذه العاصمة الهائلة هي أكثر العواصم لربما في الوطن العربي استقطاباً لمواطني الدولة؛ لذلك وفي غمضة عين من الزمن طوى أغلب أهل البادية خيامهم وبدلاً من أن يستقروا في الهجر التي أُقيمت من أجل توطنيهم توجهوا رأساً إلى العاصمة حيث الوظائف والخدمات والانتقال المعيشي من حياة القرية أو البادية إلى حياة مدنية حديثة مبهرة، وكذلك بالطبع فعل هذا أهل الأرياف الذين هجروا الزراعة واتجهوا إلى الوظائف العامة، وكان مبعث فخر الشاب السعودي بين أقرانه آنذاك أنه يعمل في العاصمة ويقيم فيها، وكان عليه أن يفتح منزله لأبناء قريته أو أبناء قبيلته حينما يراجعون العاصمة سواء للوظيفة أو الاستشفاء أو إنجاز المعاملات، وهكذا أخذ استقرار العاصمة يجتذب الجميع، وهذا الأمر الذي لم يلحظه المخططون أوجد حالة من الكثافة السكانية الوطنية بالإضافة إلى العمالة الوافدة بكل تخصصاتها مما خلق نوعاً من التضخم السكاني الذي لم يصاحبه توسعٌ في الخدمات بما في ذلك حتى طرقات العاصمة لذلك اكتظت الإدارات بالمراجعين المقيمين في العاصمة وبشكل متسارع قد سبق حتى مراحل التطور والنمو الطبيعي للمدن مما خلق بعض الأزمات الاختناقية التي يأتي على رأسها المرور مثلاً، لذا وإزاء هذا الامتداد السريع والنمو المتصاعد والتطور الهائل والتضخم السكاني للرياض، فإنه وجب على المخططين اليوم وقبل الغد أن ينظروا إلى أن تلك الرياض التي عرفوها قبلاً قد أصبحت عدة (رياضات) في رياض واحدة أي أصبحت عدة مدن ضمن مدينة مركزية واحدة هي العاصمة الكبرى والدليل على ذلك هو أن عدد سكان الرياض مثلاً قد أصبح يساوي عدد سكان عدة دول خليجية مجتمعة الأمر الذي يستوجب معه أن يحسب المخططون الإداريون اليوم وقبل الغد أن هذه (الرياضات) التي لم تعد رياضاً واحدة قد أصبحت بحاجة ملحة إلى مضاعفة تلك الإدارات الخدمية أو جعل فروع لها في مختلف ضواحي الرياض وخصوصاً الجوازات والأحوال والمرور وكل ما يتعلق بمراجعات المواطن اليومية ولا بأس من إقامة مجمعات حكومية تمثل كل هذه الدوائر في عدة أنحاء من الرياض لكي يتنفس المركز القديم من التضخم والازدحام والاكتظاظ والاختناق؛ فمتى نفعل ذلك؟!.