رؤية مشهد العنف عامة والإرهاب خاصة طغى على أي رؤية استشرافية مستقبلية لأي مشهدٍ إقليمي آخر يمكن توقع بلورته وتطوره في المستقبل القريب، فما تحمله الأيام القادمة لدول وشعوب منطقة الشرق الأوسط لا يمكن أن تدعونا للتفاؤل ولاسيما أن الأزمة الإيرانية الغربية مازالت قائمة لم تنزع فتائلها، كما أن العراق مازال ينزف دماً بغزارة جراء عمليات العنف والإرهاب المتواصلة. ولعل السؤال هل من الممكن أن يتحقق التوافق وربما الانسجام والتجانس بين دول المنطقة ويعم بموجبه الأمن والسلام والاستقرار؟، لا يقل غموضاً عن السؤال هل تنتهي حالات الصراع الدائرة في المنطقة في أشكاله المختلفة سواء كان صراعاً مباشراً أو غير مباشر؟. وبذات المنطق فإن الإجابات عن السؤالين لم توجد بعد، ولم يشرع في تصورها ناهيك عن وضعها موضع التنفيذ في ظل ما يجري من سياسات نشطة لتغيير معالم المنطقة السياسية وإعادة رسم خريطة علاقاتها.. المرجو والمأمول أن تكون تلك السياسات موجهة لصالح المنطقة من صراع إلى تعاون، ومن تباعد إلى تقارب، ومن تنافر إلى تجانس. تلك الأسئلة تمثل بالفعل معضلة السياسة الإقليمية (بل وحتى الدولية) التي لا تختلف بأي حالٍ من الأحوال عن مثيلاتها في الأقاليم الأخرى مما يعني أنها ظاهرة دولية على مستوى الدول وعالمية على مستوى الشعوب... هذا إن كانت هناك اختلافات جوهرية بين الدول والشعوب كما يرى بل ويعتقد البعض. جوهر المعضلة يكمن في قدرة دول المنطقة على تحقيق، ولو على الأقل، هدف التعايش السلمي المتبادل والمشترك فيما بينها كي يتحقق أمن واستقرار المنطقة. الحقائق العلمية والعملية تقول إذا ما تمكنت دول المنطقة بالفعل من الاندفاع أكثر في مسار التعايش السلمي فقد تحقق هدف الانسجام في الأهداف ومن ثم التوافق في السياسات، وهو الحال الذي يمكنها من الانتقال إلى مرحلة التجانس في الفكر وفي المسلك السياسي. الوضع الأخير يعكس المرحلة المطلوبة التي تقود بدورها حتماً إلى مرحلة الاندماج السياسي ومن ثم إلى مرحلة الانصهار الإقليمي. ولكون التنظير السياسي يعد جزءاً من الفكر السياسي الذي ينبثق عن جوهر المعتقد السياسي لمجتمع ما من المجتمعات الإنسانية، فإن المعتقد السياسي بدوره نتاج لتفاعل الإنسان مع الزمان (أي التاريخ) ومع المكان (أو البيئة بمختلف مكوناتها). وبدون وجود تنظير سياسي موضوعي وواقعي قائم على جملة من المعادلات الموزونة لجميع المكونات الأساسية التي ينتمي إليها الإنسان، فإن القدرة على رؤية حقائق المستقبل بمنظور (أو بمناظير) الحاضر قد تنتفي تماماً، كما وقد تنعدم القدرة على الحركة المناسبة في الوقت المناسب، وفي المسار المناسب وبالقدر المناسب، كيف لا والإنسان بطبعه وسجيته ميال إلى تأمين المستقبل وتضمينه. بناء عليه فإن العامل الرئيس الذي يدفع إلى التقارب وبالتالي إلى التفاعل الإيجابي بين الدول هو عامل تفعيل المصالح الوطنية المشتركة بمختلف جوانبها ومكوناتها، فإن توافقت المصالح الوطنية تقاربت الدول، وإن تعارضت المصالح الوطنية اختلفت الدول وتباعدت ولربما تصارعت وتحاربت. ومن جانبٍ آخر يرتبط بمنطق التنظير، فإن معضلة السياسة العالمية في الوقت الراهن لا تقل عن معضلات السياسات الإقليمية. الذي يهمنا هنا بالتحديد البحث والتنقيب في السياسات العربية التي مازالت تلهث خلف حلم إيجاد واقع سياسي إقليمي معقول ومقبول للجميع يمكن بواسطته الحفاظ على الأمن والسلام والاستقرار الإقليمي. ولعلنا لن نخطئ في القول، أو نجور في الحكم، بل ولن نتجنى على التاريخ إن قلنا ان معظم مشاكل منطقة الشرق الأوسط العربية كانت ومازالت تشتعل بفعل مؤامرات الطوابير الخامسة خصوصاً جماعات التطرف والإرهاب التي تمهّد الطريق لما تحيكه ضد المنطقة مخططات القوى الأجنبية من مؤامرات سابقة ولاحقة رسمت خريطتها الجغرافية وتحكمت في مصير المنطقة لقرونٍ طويلة من الزمن، وتحاول حالياً إعادة رسم خريطة المنطقة لتتلاءم مع مصالحها الحديثة في القرن الواحد والعشرين.