تابعت كغيري اللقاء التلفزيوني مع معالي رئيس هيئة سوق المال على أمل أن أجد في نهاية اللقاء إجابة شافية لتفسير وتبرير الأزمة الخطيرة التي تحل هذه الأيام بسوق الأسهم السعودية والحلول العملية التي يمكن أن تخفف من تداعياتها على كافة أفراد المجتمع السعودي، فإذا كان الاقتصاد السعودي قوياً، كما أكد ذلك معالي وزير المالية، وإذا كان سعر النفط قد وصل إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، فلماذا مع كل ذلك يزداد أعداد الفقراء والمرضى النفسيين؟ معادلة غريبة قد لا يفك رموزها في النهاية سوى قائد هذه البلاد - يحفظه الله- الذي عوّد المواطن على مساندته مع كل أزمة ونازلة ولكنني أحسنت الظن بمعالي رئيس الهيئة على أمل أن يستطيع على الأقل تحديد السبب الرئيس وراء الكارثة الوطنية ولكنه في ظني أعادنا إلى نقطة الصفر ووضعنا وكافة المتعاملين في السوق أمام المصير المجهول، فلم يستطع معاليه تناول مكونات النازلة بمنطق اقتصادي واضح، حيث ظل طوال اللقاء وبمصطلحات لا تتسم بالعمق الاقتصادي يحوم حول الحمى دون أن يترك إجابة شافية حول مصير السوق ودور الهيئة المستقبلي، كما لم يستطع أن يتنازل عن لغة التخويف والتهديد التي عوّدتنا الهيئة على سماعها دون إدراك لخطورة هذا الأسلوب على متغيرات وسيكولوجية السوق. ولم يستطع معاليه الاعتراف بأن واقع سوق الأسهم السعودي قد وصل إلى حد أصاب معه المجتمع السعودي بحالة من الانكسار الخطير الذي لا يهدد المتغير الاقتصادي فقط ولكنه يتجاوزه إلى كل مكونات الترابط المجتمعي بما فيها المتغير الأمني المهم مما زاد من مخاوفنا وزاد من قلقنا حول عدم قدرة أو استعداد المسؤولين لتصوير الواقع كما هو لقيادة هذا الوطن التي لا تقبل انكسار أو خيبة أمل المواطن.. وشخصياً أرى أن الواقع يتطلب ليس فقط إصدار قرارات لتنظيم السوق كما حدث في السابق، ولكن أيضاً المسارعة لدراسة النتائج الخطيرة التي من المتوقع أن تترتب على هذا الواقع الخطير والمسارعة في اتخاذ القرارات التي تعالج أوجاع المجتمع ومصائبه حتى لا تصاب الجروح بالشمم وترتفع معا رائحة الانكسار المجتمعي. ولعلي أرفع صوتي مطالباً بضرورة اتخاذ بعض الخطوات العاجلة التي ربما تعيد الروح لهذا السوق المنهار أو على الأقل تعطي الفرصة لالتقاط الأنفس التي بالكاد تدفع ذاتها للخروج من الأجساد المنهكة والمثقلة بالخسائر المالية والأمراض النفسية ولعل من أهم هذه الإجراءات العاجلة سرعة مراجعة واقع هيئة سوق المال التي أثبتت التجارب أنها لا تمتلك المقدرة الفنية والعلمية اللازمة لضبط السوق في إطاره المقبول ضمن معطيات حرية السوق التي تتطلبها السوق المالية فعلى الرغم من إصرار مسئولي الهيئة على إنكار تدخلهم في السوق ورغبتهم في ترك قوى العرض والطلب تلعب دورها في تحديد مسار السوق، إلى أن الواقع والحقائق تثبت أن الهيئة قد نشطت في التدخل المباشر وغير المباشر وبطريقة غير مدروسة مما تسبب في انهيار السوق وفقدانه للذاكرة الخضراء. ولعل معالي رئيس الهيئة قد أكد هذا التدخل عندما ذكر في لقائه التلفزيوني أن الهيئة ومن خلال متابعتها لأرقام السوق وجدت أن نسبة كبيرة من السيولة في السوق قد اتجهت إلى الشركات الخسرانة أو تلك التي لم تسوِ أرباح خلال الخمس سنوات الماضية على حد تعبير معاليه ، مما دفع بالهيئة إلى مراجعة نسبة التذبذب وتخفيضها إلى 5% بدلاً من 10% فإذا كانت الهيئة لا تعد ذلك تدخلاً مباشراً فكيف إذاً يكون التدخل؟ وإذا كانت الهيئة تعترف علانية بعدم أهلية هذه الشركات فلماذا سمحت بإدراجها في السوق وساهمت بذلك في التغرير بالمتعاملين؟ ولماذا لم تسارع لإخراجها من السوق إذا كانت تتعلل بكون وجود هذه الشركات سابقاً لنشأة الهيئة؟ وإذا كانت الهيئة لم تكتشف خطورة معاقبة الجميع بجريرة القلة كما يحدث عند إيقاف بعض المضاربين والتشهير بالشركات التي لا حول لها ولا قوة والسكوت عن المخطئ بحجة عدم وجود مبرر نظامي، وإذا كانت الهيئة لم تكتشف بعد خطورة الاعتماد على المؤشر العام على الرغم من كونه أحد أخطر الأدوات التي تستخدم لإرهاب صغار المستثمرين وعلى الرغم من عدم تمثيله لحقيقة السوق، وإذا كانت الهيئة لم تكتشف بعد خطورة رسائلها الإعلامية التي تأتي في أوقات غير مناسبة وبلغة عنترية مليئة بروح التحدي، فإنها بلاشك غير قادرة على إدارة السوق وغير قادرة على إيجاد آلية مناسبة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح المواطنين الذين أعياهم تعاظم الخسائر المالية وتزايد الوساوس النفسية. وأخيراً أتساءل: لماذا عطلت الهيئة الاكتتابات الجديدة عندما كانت السيولة مرتفعة أم أنها لا تجيد التحرك إلا في الأوقات غير المناسبة؟ ولماذا لم تلجأ الهيئة إلى زيادة عدد الشركات في السابق كإجراء مثالي للحد من التضخم والمضاربة بدلاً من إضاعة الوقت في ملاحقة المضاربين؟ إشارة صوت كل مواطن: كل من يحاول أن يهون من هذه المصيبة الوطنية لا يريد بهذا الوطن خيراً ولا يحمل في أركان فؤاده محبة صادقة للوطن وقيادته ومجتمعه، فأزمة سوق الأسهم لم تعد أزمة اقتصادية ولا يجب ترك معالجتها لغير المختصين، نتمنى أن تتدخل الجهات الأخرى المعنية لرصد الأزمة وتداعياتها ومعالجتها قبل فوات الأوان فهل يتحقق ذلك؟ الله أعلم.