رحل عنا منذ أيام المربي الجليل الشيخ عثمان الصالح مدير معهد العاصمة النموذجي السابق والأديب المعروف بإسهاماته الثقافية واثنينيته ومكتبته العامرة، وبرحيله فقدت البلاد واحداً من كبار رجال التعليم الذين سيذكرهم تلاميذهم دائما بالتميز في الجمع بين حزم المعلم وحرص الأب على مصلحة أبنائه، وترفع الموظف الذي يتولى شؤون تأديب أبناء أكبر رجال البلاد ملكا وأمراء ووزراء عن استغلال الوظيفة أو انتهاز الفرص السانحة، فلقد كان- رحمه الله- قدوة حقيقية لتلاميذه في النزاهة والخلق الرفيع والتعالي عن سفاسف الأمور والنأي بنفسه عن مواطن الزلل والشبهات، وكان مثالاً يحتذى في عصامية طالب العلم الذي شق طريقه باستحقاق من مدرس في قرية صغيرة إلى مدير لأكبر صرح تعليمي مدرسي في المملكة وجعل منه (أي معهد العاصمة النموذجي) نموذجاً يحتذى في مستوى التعليم المنهجي والنشاطات المصاحبة له في مجالات الأدب والصحافة والرياضة والكشافة، وغير ذلك من الأنشطة اللامنهجية التي لم تكن معروفة في المدارس الأخرى، وقد أكبرت في الشيخ عثمان الصالح- رحمه الله- اهتماما بتلاميذه النابغين وحرصه على التعليق على تقارير اختباراتهم الشهرية بقلمه بعبارات نافذة لها وقع التأنيب والتشجيع والتحفيز الفعال، كما لمست سعادته بهم بعد انتقالهم إلى الحياة العملية وسروره الشديد باستقبالهم في منزله والاحتفاء بهم وكان كثيرا ما يضرب المثل في التواضع والتأكيد على عمق العواطف بإصراره على توديعهم إلى باب الدار مهما ألحوّا عليه بالاكتفاء بوداعه في صالة الاستقبال أو الحديقة. نسأل الله لشيخنا الرحمة والغفران ولأبنائه الصبر والسلوان فلقد كان عظيماً في أبوته وحنانه وحبه لأسرته ورعايته لها، وإن كان قد رحل عنا بعد أن أدى واجبه تجاه دينه ثم وطنه ثم أسرته فإن ذكراه ستبقى عطرة في نفوس كل من عرفه، وسيرته ستبقى مثالاً يحتذيه المشتغلون بالتربية والتعليم، وعزاؤنا إن شاء الله في تلاميذه الذين يشغلون اليوم العديد من مناصب الدولة الهامة وأبنائه الذين أصبحوا رجالاً يدركون عظم التركة الأدبية والإنسانية التي شرفهم بها والدهم و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}