من الواضح أن هناك تحضيراً سبق زيارة سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز لسنغافورة يتجاوز البروتكول المعتاد أو التنظيم الشكلي لزيارات تأخذ أحياناً طابع المجاملات بين الدول كلما كانت هناك لقاءات بين قياداتها. فقد تجلت الحفاوة السنغافورية باستقبال قادتها لضيفها الكبير سمو ولي العهد في صورة تظهر قوة العلاقة التي يخطط لها البلدان في ظل التكامل الذي يتطلع له الجانبان لبناء شراكة اقتصادية وتجارية في مجالات عدة، يأمل أن يقود ذلك إلى توسيع دائرة التعاون، وصولاً إلى إيجاد أرضية قادرة على أن تعطي وتضيف إلى الاقتصاد الثنائي قوة دفع جديدة، تسهم في النهاية في تحقيق الآمال المتوخاة. ومن يشاهد سمو الأمير سلطان، والوفد السعودي المرافق له، وكذا القيادات السنغافورية، في اليوم الأول من الزيارة الرسمية التي يقوم بها حالياً سمو ولي العهد، لا بد وأنه لاحظ على وجوه الجميع المظهر الذي يوحي بنجاح الزيارة في تحقيق أهدافها، وأن كل ما خطط له أو برمج في هذه الزيارة تم التوصل إلى قرارات حاسمة ونهائية ومتفق عليها بين الجانبين. ليس هذا فحسب، ولكن الشعور بالرضا، بحسب رؤيتنا الشخصية، ومن متابعتنا لأجواء الزيارة، كان يسود جميع أفراد الوفد المرافق لسموه من رسميين وغير رسميين، مما يظهر هو الآخر أن التطابق في وجهات النظر قد انعكس على حركة الوفد وتصرفاته وحواراته مع بعضه البعض، ومع الآخرين في الجانب الآخر. وإن أي حديث عن الزيارة بغير التأكيد على نجاحها، من خلال المؤشرات التي أظهرتها أولاً حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، ثم من خلال الترتيب والإعداد الجيد الذي سبق التوصل إلى ما تم التوصل إليه من اتفاقيات ثنائية برعاية سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز ونظيره من الجانب السنغافوري. وما كان مثيراً للانتباه أن المباحثات الرسمية لم تستغرق الكثير من الوقت، فقد كان التفاهم - على ما يبدو - هو سيد الموقف، وأن الجانبين حرصا على تتويج المباحثات الرسمية بالاتفاق على صيغ التعاون المشترك بينهما من خلال إقرار الاتفاقيات الثنائية التي تم التوقيع عليها في أعقاب اختتام جلسة العمل بينهما، وهو يظهر مدى التطابق في وجهات النظر والحماس على بناء أسس جديدة للعلاقات فيما بينهما. ولا بد من الإشارة ونحن في اليوم الأول من الزيارة الأميرية لسنغافورة ضمن جولته الآسيوية التي تشمل اليابان وباكستان بالإضافة إليها، إلى أن الأهداف المرسومة للزيارة واضحة ليس فقط في شقها الاقتصادي، وإنما أيضاً في تطابق وجهات النظر في التعاطي مع الشأن السياسي والثقافي وكل ما يساعد على التواصل البناء بين المملكة وسنغافورة. ومن تتبعنا للزيارة ابتداء من وصول سموه إلى مطار تشاغي الدولي، حيث كان معالي البروفيسور إس جيكومار نائب رئيس الوزراء ووزير القانون والدكتور إنغ إينغ هين وزير الطاقة البشرية والوزير الثاني للدفاع، وإلى أن وصل سموه إلى فندق رايتز كارلتون لاحظنا أن الاستقبال الكبير لسموه في المطار لم يكتف به من قبل السنغافوريين، إذ إن مراسم الترحيب الرسمي بدأت في القصر الرئاسي، حيث استقبله رئيس الوزراء لي سيين لونغ، وبدأت المباحثات الرسمية مع دولة رئيس الوزراء في صالة الجلوس الشرفية في القصر الرئاسي بحضور عشرة من أعضاء الوفد السعودي وتسعة من الجانب السنغافوري، وهو اجتماع لم يستغرق من ولي العهد ونظيره رئيس الوزراء سوى نصف ساعة فقط. وفي قصر الرئاسة، وفي نهاية المباحثات الرسمية بدأت مراسم التوقيع على مذكرات التفاهم والاتفاقيات، وقد شملت مذكرة التفاهم للتعاون التجاري بين وزارة التجارة والصناعة بجمهورية سنغافورة ووزارة التجارة والصناعة بالمملكة، واتفاقية لتشجيع وحماية الاستثمار المتبادلة بين جمهورية سنغافورة والمملكة أيضاً، وهناك مذكرة تفاهم للتشاور الثنائي السياسي بين وزارة خارجية جمهورية سنغافورة ووزارة الخارجية في المملكة، وقد تم تبادل المذكرات المتعلقة بالاتفاقية العامة للتعاون بين حكومة جمهورية سنغافورة وحكومة المملكة. وفي قصر الرئاسة أيضاً وضمن الاحتفاء بسموه، فقد أقام رئيس الوزراء السنغافوري حفل عشاء حضره أعضاء الوفد السعودي وعدد من الشخصيات السنغافورية والسفراء المعتمدين لدى الجمهورية، كما تم في القصر الرئاسي. وتشرف أعضاء الوفد من الجانبين السلام على سمو الأمير ودولة رئيس الوزراء. واليوم الثلاثاء، وفي ثاني أيام الزيارة، سوف يواصل سموه متابعة نشاطه وبرنامجه المعد له بهذه المناسبة، فسوف يقابل فخامة الرئيس السنغافوري ويلتقي مع دولة الوزير الناصح، كما سيلقي سموه محاضرة سنغافورة ال 28 وهي المحاضرة السنوية التي يختار لها شخصية دولية مهمة في كل عام، وقد اختير سمو ولي العهد ليكون الضيف هذا العام. لقاء سموه بالرئيس سيكون في قصر الأستانة ويحضره الوفد السعودي الرسمي المرافق، ومثله سوف يحضر أعضاء الجانب السنغافوري، وبنفس المكان وبحضور وفدي البلدين سوف يكون لقاء سموه بالوزير الناصح، وهو بالمناسبة يعد مؤسس سنغافورة واسمه السيد لي كوان يو، أما المحاضرة التي سموه فسوف تكون في قاعة رافلز في مركز رافلز للمؤتمرات، وسوف يكون نائب رئيس مجلس أمناء معهد دراسات جنوب شرق آسيا ومدير المعهد على رأس مستقبلي سموه عند وصوله إلى مكان المحاضرة، فيما سيلقي دولة كبير الوزراء السنغافوري السيد قوه شون تونغ الخطاب الافتتاحي. عنوان محاضرة سموه سيكون (الفرص والتحديات للروابط الآسيوية - العربية) وسيليها جلسة أسئلة وأجوبة، ثم تعليقات من قبل السيد كيه كيسافاباني مديرآسيا، وهذه المحاضرة يعلق عليها الكثير من المراقبين والمهتمين والمتابعين أهمية كبرى بالنظر إلى حجم أهمية سلطان بن عبدالعزيز وما يتمتع به سموه من وجهات نظر واقعية وصريحة وصادقة في تناولها للأحداث الإقليمية والدولية، وسيقيم كبير الوزراء السنغافوري حفل عشاء رسمي مساء اليوم تكريماً لسموه ليختتم به اليوم الثاني من زيارة سموه لبلاده. ونبقى في أجواء الزيارة، حيث لاحظنا أن السنغافوريين يسعون إلى استثمار وقت سموه كاملا، بمثل ما تمت الإشارة إلى بعضه في اليوم الأول وما سيتم في اليوم الثاني، على أن اليوم الثالث من الزيارة - غداً - سوف يشهد لقاء سموه بمعالي وزير الدفاع السنغافوري، وبعد اللقاء حفل الغداء الذي يقيمه معاليه تكريماً لسموه، وقد خصص حفل العشاء للسفارة السعودية، حيث يقيمه سفير خادم الحرمين الشريفين في سنغافورة في صالة الاحتفالات الكبرى في الفندق الذي يقيم فيه سموه، وقد وجهت الدعوة لحضوره إلى شخصيات سنغافورية كبيرة ومهمة وإلى السفراء المعتمدين لدى الجمهورية بالإضافة إلى أعضاء الوفد السعودي المرافق، وهكذا تبدو الزيارة تتسم بالأهمية، وتبرز أهمية المملكة بتاريخها وعلاقتها وسمعتها في المحافل الدولية، بما شجع دول العالم على توثيق علاقاتها معها ومع قيادتها، وبالتالي احترام شعبها، وهو ما يمثل اعتزار المواطن بالمستوى الذي وصلت إليه هذه العلاقات كنموذج مشرق تحميه مصداقيتنا في التعامل مع الآخرين، واحترام التزاماتنا معهم واتفاقاتنا المبرمة فيما بيننا، وهو ما شاهدنا آثاره في زيارتنا لسنغافورة، ولغيرها من الدول على امتداد العالم.