أودع الله في كل إنسان من الأسرار ما تعجز عن وصفه الأقلام، وتقصر عن الإحاطة به الأفهام، فكل إنسان يختلف عن الآخر بكم هائل من الطبائع والصفات والمميزات، وبالتأكيد فإن هذه المزايا والأخلاق والمثل هي التي تميز الإنسان أكثر من الصفات الجسدية، وعليها وبناء عليها نعرف من هذا الإنسان؟ وما عمله؟ وعليها يبنى الثواب والعقاب في الدنيا والآخرة، والجسد ما هو إلا منفذ للأوامر والتعليمات الصادرة عن النفس والعقل. ومن تلك الصفات صفات حميدة، ومنها صفات سيئة وقانا الله وإياكم منها ، وفيها صفات حسب شدتها ودرجتها تصبح مرغوبة أو مذمومة. فمن الصفات السيئة هناك الحسد، وهو تلك الحالة المرضية التي تصل إليها النفس البشرية، فتجعل الإنسان يقع فيما لا تحمد عقباه. ومن الصفات التي تختلف حسب شدتها الغيرة، فالغيرة من صفات كل إنسان، ولكنها تزيد أو تقل وتختلف نوعيتها من شخص لآخر، وحينها تصبح الغيرة صفة مرغوبة ومطلوبة، ولكنها قد تشتد، وتصل لحدود مرضية توقع صاحبها بأخطاء لا يحمد صاحبها,,! أعود للحسد وقانا الله وإياكم من الوقوع فيه وهو تمني زوال النعمة عن الغير، والسعي في إزالتها, وقد نهى الشارع عن الحسد والتحاسد, قال تعالى: (ومن شر حاسد إذا حسد) ويقول رسول الأمة محمد صلى الله عليه وسلم : إياكم والحسد، فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، - أو قال - العشب والحاسد الحاقد شخصية مريضة ومضطربة، تعاني من صراعات نفسية داخلية، فتجده ينظر إلى ما في يد غيره من الناس، ويتمنى زواله، ويسعى في ذلك حتى لو كان يملك ما هو أفضل منه. قلنا شخصية مريضة، وفي هذا كل الصواب، ويدعم قولنا الواقع والمنطق والمناقشة الموضوعية، كما يدعمه الطب كما سنرى لاحقاً. فالحاسد إنسان، ولكنه بعيد عن الإنسانية، لأنه يتمنى زوال النعمة عن غيره، ويكره أن يرى الآخرين يسعون، فيأتيهم الرزق الوفير بما يستحقون ويعملون، كما يكره أن يرى ذرية غيره سعيدة تعيش في نعمة، إنه إنسان كاره لغيره، كاره لأبناء مجتمعه ودينه وأمته، أبعد ذلك مرض أحبتي؟ إنه الداء العضال بذاته، ولذلك كان تحذير الإسلام منه شديداً، والوعيد، لصاحبه كبيراً. وبشكل منطقي وموضوعي: هل يجوز أن يفكر شخص هكذا؟! هل يسمح لأحد منا لا سمح الله أن يسبب الضرر الجسيم للمحيطين به عن قصد أو عن غير مقصد، فإن كان بنيته السوء حل عليهم العقاب، وإن كان من دون قصد فيجب تنبيههم واتباع التوجيه النبوي الشريف بعد حالتهم. أما من ناحية الأطباء المختصين فإنهم يؤكدون,, أن الإنسان الذي يحمل في صدره إحساس الحسد يصاب بعد فترة بأمراض نفسية مثل البارانويا (انعدام الثقة بالنفس والعدوانية الموجهة للذات) وغالباً ما يصاب الحساد أيضاً بالأرق والصداع والكوابيس المزعجة,,!! وتختلف درجات الحسد باختلاف العوامل التي تؤدي بالإنسان إلى هذا المرض، وتظهر أسوأ هذه الحالات في تلك الفئة التي عانت من الحرمان في صغرها، مع ضعف الإيمان بقضاء الله وقدره، وعدم الرضا بما قدره الله، فينشأُ وقلبه مريض لا يعرف حب الخير حتى لأقرب الناس إليه. وأما الغيرة فمنها ما يمدح، ويحمد ويطلب، ومنها ما يُذم، فالمذموم منها الغيرة في غير ريبة ومن دون سبب يقتضيها غير الأوهام والوساوس، والمحمود منها الغيرة على المحارم والحرمات الشرعية. نسأل الله العلي القدير الشفاء للحاسدين، وأن يدلهم إلى طريق الخير والنور، البعيد عن المشاحنة والبغضاء،وأن يحفظنا بقدرته وكرمه من شرورهم، وأن يجعلنا من أصحاب الغيرة المحمود ذكرهم، إنه سمع مجيب. يقول الشاعر: كل العداوة قد ترجى إماتتها إلا عداوة من عاداك عن حسد