* في البدء.. كانت (الجنادرية) مفردة جغرافية بلا تاريخ.. يحيط الصمت والسكون أرجاءها.. لا ماء فيها ولا ظل. * واليوم غدت (الجنادرية) غادة فاتنة تميس تيهاً ودلالاً، وأصبحت تزف ضيوفها كل عام إلى الفكر والتراث والثقافة والشعر والفن الجميل، وأضحت (جنادرية العرب) مرتعاً خصباً لتلاقي الأفكار والثقافات وانطلاق الحوارات الفكرية في منابر العلم والعلماء. * لقد نقلنا مهرجان الجنادرية إلى (سوق عكاظ) الشهير؛ حيث المعلقات والمساجلات والتبارز في الشعر والأدب الذي كان يقوم به العرب قديماً في الجاهلية والإسلام. * ومنذ اندثار (سوق عكاظ) قبل قرون من الزمان ظهرت أسواق ومهرجانات كثيرة، بعضها يحمل سمات سياسية، وآخر يغلِّفه طابع الدعاية المفرط.. فمن مهرجان المربد في العراق الذي توارى بسقوط النظام العراقي إلى مهرجان قرطاج ومهرجان جرش وغيرهما.. حتى بزغت شمس الجنادرية من قلب الجزيرة العربية وأصبحت مائدة دسمة يؤمها الشعراء والأدباء والكتاب والمفكرون والنقاد وكل أصدقاء القلم وأرباب الفكر ومن أضناهم لهيب البحث والكتابة، يلتقون في جنادرية العرب في تظاهرة ثقافية تراثية لم تشهدها جزيرة العرب قبلاً. * وقد حقَّق مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة منذ انطلاقته الأولى في 2-7- 1405ه حتى هذا المهرجان الكثير من النجاحات على الصعيد المحلي والعربي، بل تعدى ذلك ليصل بتراثنا وثقافتنا إلى العالمية. * وما الإقبال الجماهيري الكبير الذي تجده المحاضرات والندوات والأمسيات الشعرية والعروض الفلكلورية في القرية الشعبية إلا تأكيد على حرص الجميع على إحياء التراث الحضاري لبلادنا وربط الأجيال القادمة بآبائهم وأجدادهم؛ لأن تقدُّم أي أمة ورقيها وحضارتها يرتبط بالضرورة برسوخ جذورها في التراث. * ولا تزال الأمم تربي أبناءها وتؤدبهم بتراث آبائهم وأجدادهم وتلقنهم عاداتها وتقاليدها لتنمي فيهم روح الالتزام بقيمها وتراثها لعل في ذلك بعض الوفاء لتاريخ صنعه الآباء بكدهم وجهادهم. * والجنادرية أثبتت عبر السنين قدرتها على تجسير التآخي بين أصالة جذره التليد وجزالة عطائه المتجدد، ومنحت لهوية هذا الإنسان بعداً رائعاً ساهم ويسهم في تصحيح ما علق في بعض أذهان الآخرين عن المملكة العربية السعودية، فكم من المثقفين والمفكرين والأدباء والعلماء ذكروا أنهم لا يعرفون شيئاً عن المملكة إلا من خلال هذا المهرجان، وكم من إعلاميين وصحفيين وكتاب هاجموا هذه البلاد نتيجة غياب المعلومة الصحيحة والتأثر بالدعاية الحاقدة وتضليل الآخرين، فما إن جاؤوا إلى مهرجان الجنادرية أو سمعوا عنه وتابعوه حتى تبدلت وجهة نظرهم، فكانت الجنادرية رداً موجزاً ومختصراً؛ لأنها تحكي سيرة الإنسان السعودي تراثاً وفكراً وإبداعاً يتجاوز أثره وتأثيره حدود الجغرافيا والتاريخ ليعانق الزمن ويقف شاهداً على انتماء ابن هذا البلد إلى كوكبة العطاء الإنساني وقدرته على التكيف مع ظروف زمانه ومكانه. * إننا في هذه العجالة نهنئ الحرس الوطني على تلك الإنجازات الوطنية المشرفة على الصعيد الفكري الثقافي الأصيل. * نهنئ ذلك الكيان العملاق الذي أثبت أنه ليس مؤسسة عسكرية ضخمة فحسب، بل مؤسسة ثقافية تربوية كبرى لا تقل عن الجامعات، بل إن لدى الحرس الوطني نواة لجامعة كبرى إذا أدركنا عدد المدارس والمناشط التعليمية والثقافية والفكرية والندوات والمهرجانات التي يحتضنها ويرعاها الحرس الوطني والتي تصبُّ في القناة الثقافية لهذا الوطن، بل وتستفيد منها الأمتان العربية والإسلامية، وتعتبر إضافة كبرى للثقافة العربية الأصيلة. * كما نهنئ رجال الحرس الوطني البواسل بدءاً بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز القائد الأعلى لكافة القوات المسلحة، وصاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبد العزيز نائب رئيس الحرس الوطني، وصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبد الله بن عبد العزيز مساعد رئيس الحرس الوطني للشؤون العسكرية، وكل رجالات الحرس الوطني، والقائمين على هذا المهرجان الوطني المشرف.