كانت ماليزيا هي المحطة الثالثة في الزيارة الرسمية للملك عبدالله للدول الآسيوية الأربع، وهذه هي الزيارة الثانية لخادم الحرمين الشريفين لماليزيا، فقد زارها من قبل عندما كان ولياً للعهد على رأس وفد المملكة لحضور مؤتمر القمة الإسلامي الذي عُقد هناك، ويومها كانت ماليزيا منشغلةً بالمؤتمر وبقادة الدول الإسلامية الذين شاركوا بالحضور، بما لم يعط الملك عبدالله - ربما - فرصة الحوار عن الشأن الثنائي في المجال الاقتصادي وبقية فرص التعاون الأخرى لتنميته وتطويره نحو الأفضل. وفي هذه الزيارة لم يكن أمام ماليزيا ما يشغلها أو أن في أجندتها ما هو أهم من زيارة الملك عبدالله والحوار معه حول العلاقات الثنائية وسبل تطويرها وتفعيلها والبحث عن أفضل الصيغ للوصول إلى التطبيق الفعلي لما تراه الدولتان، وهو ما تم فعلاً وأعلن عنه ووثّق من خلال الاتفاقيات بين الحكومتين من جهة وبين رجال الأعمال في الدولتين من جهة أخرى، وهذا ما سنتحدث عنه في الحلقات القادمة من هذه الانطباعات. ماليزيا التي يزورها الملك عبدالله نشأت عام 1963م من خلال قيام اتحاد ضم الملايو وسرواك وصباح وسنغافورة، وإن كانت الأخيرة قد آثرت أن تنسحب من الاتحاد الماليزي بعد سنتين من قيامه، وقد بدأ السعوديون في السنوات الأخيرة يقصدونها لقضاء إجازاتهم السنوية لما تتميّز به من أجواء سياحية وبيئة إسلامية مناسبة للأسر السعودية. ولأن اقتصاد ماليزيا يصنَّف على أنه من بين أقوى الأنظمة الاقتصادية في جنوب شرق آسيا، فكان لا بد لها أن تقود تجربة جريئة وجديدة أذهلت العالم بالنمو الذي تحقَّق لها وبالتوسع المدروس الذي أعطى اقتصادها كل هذه السمعة الحسنة من خلال النتائج التي تشير إليها الأرقام في مجالات الصناعة والتجارة والاستثمارات. وفي ظل هذا النجاح الذي لا يسمح الوقت بالتوسع في الحديث عنه، لم يستغرب أي منا لجوء الشركات الأمريكية واليابانية منذ السبعينيات من القرن الماضي إلى إقامة مصانع لها في ماليزيا وبخاصة تلك المتخصصة في صناعة الإلكترونيات، نظراً لوجود وفرة في العمالة المدربة إلى جانب البيئة الاقتصادية الملائمة، لتصبح ماليزيا بذلك ثالث دولة في العالم بعد أمريكا واليابان في إنتاج الدوائر الإلكترونية وأكبر مصدر لها على مستوى العالم، ولعل هذا هو بعض ما حرَّك الرغبة والحماس لدى الملك عبدالله ليضع هذه الدولة في دائرة اهتمامه الشخصي للتعاون معها، فيقوم بزيارتها والتوصل مع قادتها إلى ما توصل إليه من اتفاقيات. إن ماليزيا بحسب ما قرأته عنها، هي دولة ينمو اقتصادها بسرعة لتميّزها بالمشاريع الحرة، وهي اليوم من ضمن عشرين دولة تجارية في العالم، وقد تمكّنت على صعيد الصناعة من تحقيق طفرة صناعية كبرى لتصبح من الدول الصناعية الكبرى ومركزاً دولياً للصناعات الخفيفة والثقيلة، فهل يصح أن تكون من هذه إمكاناتها مهمشة من اهتمامات المملكة ومن الرغبة في بناء شراكة حقيقية معها، إن هذا ما ينفيه الملك عبدالله في كلماته وتصريحاته خلال مباحثاته مع الزعماء الماليزيين، بل أكثر من ذلك فإن خادم الحرمين الشريفين ظل طوال زيارته لماليزيا يركِّز ويؤكِّد على أهمية فتح المجال أمام فرص التعاون بين البلدين المسلمين. في كلمة ملك ماليزيا خلال حفل العشاء الذي أقامه تكريماً للملك عبدالله استوقفني قوله: آمل أن تكون زيارة الملك عبدالله لماليزيا ذات منفعة متبادلة لكلا البلدين، وإننا نعرف في زمن التحدي أن المملكة السعودية كشريك كبير ودولة إسلامية تحمل وجهات نظر متطابقة مع ماليزيا حول موضوعات تتعلّق بمصلحة الأمة. مثلما استوقفني قول الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خطابه: يسعدني أن أكون في رحاب ماليزيا الشقيقة، وأقدِّر مشاعركم الطيِّبة نحو وطني ونحوي، وإنه لمن دواعي سروري أن يزور جلالتكم وجميع أصدقائنا الماليزيين بلادنا التي تكن لكم ولشعبكم التقدير والمحبة.