هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها هونج كونج، لاحظت أن كثيراً من الأعضاء ومن زملائي رؤساء التحرير لم يسبق لهم أن زاروها، مع أن أغلبنا زار ولعدة مرات دولاً مجاورةً لها، ومن عادة المرء حين يزور بلداً لأول مرة أن يفتش عن معالمه والجوانب المثيرة فيه. في هذه الجزيرة التي سعدنا بصحبة خادم الحرمين الشريفين بزيارتها، لا يُحْتَاجُ مِنْ زائرها إلى كثير عناءٍ وإلى جهدٍ للتعرف عليها، فملامحها المثيرة تبدو لك على امتداد الطريق من المطار وإلى أن تصل إلى مقر إقامتك فيها. مبانٍ غاية في الجمال، في بقعة جميلة من الأرض تمت هندستها وتخطيطها بذوق رفيع، الأشجار تحف جانبي الطريق، وهناك الجسور المعلقة والأنفاق المصاحبة لها، الأنوار بأشكال جمالية تغطي واجهات المباني الشاهقة وذات الارتفاعات المتوسطة. أخذنا نستقطع من وقت راحتنا للتسوق، فالأسواق هناك غنية بأفخر وأجود أنواع الصناعات في العالم، تنظيم الأسواق وسعتها وتعامل الباعة فيها يغري ويريح لمن يرغب في الشراء أو يستهويه التسوق. هونج كونج بلد المال، وقد أعطاها وضعها المميز الحرية في بناء اقتصاد مزدهر بعيداً عن التأثير الصيني أو التسلط البريطاني، فظهرت للعالم وتعاملت معه بشخصيتها المتميزة والفريدة. والمؤكد أن تجربتها الاقتصادية سوف تفيد الصين بعد انضمامها إليه، ومن المؤكد أن الصين القوية اقتصادياً بهونج كونج القوية هي الأخرى اقتصادياً، سوف تشكل في السنوات القليلة القادمة قوةً ضاربةً ما كان لأي منهما أن يتحقق له ذلك لو لا هذا الاندماج الذي تم بالحوار والتعامل العاقل. شوارع هونج كونج واسعةٌ وتبدو كما لو أنَّها لوحةٌ تتقاسم أجزاءَها هذهِ المباني الشاهقةُ والجميلةُ وتلك المحلات والأسواق التجارية بالغة الثراء في حسن العرض والتصميم. وكان الطقس ربيعياًً، شجعتنا - الزملاء وأنا - درجة الحرارة المناسبة لإلقاء نظرة على (الكورنيش) والاستمتاع بمشهد البحر مع غياب شمس ذلك اليوم، راجلين - مشياً - على امتداد جزء كبير من الرصيف المنسق، حيث إطلالة المباني على البحر من كل جانب وعلى امتداد النظر. ومن الطبيعي أن يجمع الملك عبد الله في زيارته إلى هونج كونج بين الراحة والاستجمام، وبين التحضير مع وزرائه ومستشاريه لما سيتم بحثه والاتفاق عليه في زيارتيه القادمتين لكل من ماليزيا وباكستان. الأجواء التي تحيط بخادم الحرمين الشريفين كانت تبدو لمن يعيش فيها أو يقترب منها، أجواءً تفائليةً ومريحةً وواثقةً من أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز يسجل في رحلته إنجازات كبيرة، ومن أنه سيعود إلى الوطن الغالي بكم مناسب مما قصد تحقيقه في توجهه شرقاً لزيارة هذه الدول. وأعتقدُ أنَّ نتائج هذه الرحلة، بكل النجاحات التي تحققت، والإنجازات الكبيرة التي أمكن التوصل إليها، ستشجع خادم الحرمين الشريفين على القيام بمثلها لدول أخرى لا تزال تَمُدُّ يَدَهَا إلى المملكة وتخطبُ ودَّها وتعرضُ رغبتَها للتعاون معنا في المجالات والحقول والميادين التي تناسبنا. وأعتقدُ أكثرَ أنَّ الملكَ عبدَ اللهِ مصممٌ على أن يكون القرنُ الواحدُ والعشرون بدايةً للتجديد والتطوير، بما يحقق للمملكة مكانةً تليق بها وتناسب طموحات قيادتها وشعبها في المجالات الاقتصادية تحديداً بعد انضمامها إلى منظمة التجارة الدولية، وهذه النتائج التي تحققت في هذه الزيارة لا تعدو أن تكون مؤشراتٍ لما هو مُنتظر، وإشاراتٍ للمستقبل الموعود هذا الوطن الغالي.