أستطيع القول إن فرح الهنود وسعادتهم بزيارة الملك عبدالله لبلادهم لا يماثلها في حفاوتها والترتيب الذي أعد لها أي زيارة لأي زعيم آخر، ولعل هذا هو ما دفع بخادم الحرمين الشريفين إلى إرسال إشارة تقدير ومحبة إلى مضيفيه حين قال لهم: إن زيارتي للهند سوف تجدد الروابط التاريخية بين البلدين، وأنه يرغب في تقديم الشكر للرئيس الهندي ولرئيس الوزراء، وكذلك للشعب الهندي الصديق على حفاوتهم وحرارة الاستقبال، مؤكدا أنه يعتبر الهند وطنه الثاني. وكان رئيس الوزراء الهندي قد خالف (البروتوكول) باستقباله للملك عبدالله في المطار، مما يعده المراقبون إشارة واضحة وصريحة لإظهار المكانة المتميزة التي تحتلها المملكة وملكها في قلوب القيادة الهندية والشعب الهندي الصديق، وتأكيدا على التوجه الهندي نحو دعم العلاقات مع المملكة في مختلف الأصعدة وفي جميع المجالات، وصولا إلى التكامل في شراكة استراتيجية طويلة الأجل التي تنوي الدولتان تحقيقها. ولعل قيام الجامعة الملية الإسلامية في الهند وهي الدولة التي يربو عدد سكانها من المسلمين على مائة وخمسين مليون نسمة بمنح شهادة الدكتوراه الفخرية للملك عبدالله يأتي تفسيره على أنه اعتراف من الجامعة وتأكيد منها - كما قال مديرها - على أن زيارة خادم الحرمين الشريفين للهند سوف تعجّل بعملية كسر الحواجز القديمة وإيجاد لغة مناسبة، ليس لفهم القرن الحادي والعشرين فحسب، بل لتقرير أهمية التعايش والتفاهم بين الدول والشعوب. وهذه الشهادة إذ تمنحها جامعة كبيرة كالجامعة الملية للملك عبدالله بن عبدالعزيز فهي بهذا على حق، تقديرا لمبادراته بإنشاء مكتبتي الملك عبدالعزيز في كل من الدار البيضاء والرياض، واعترافا بما يقول مدير الجامعة من أن للملك اهتماما وولعا بالقراءة والمطالعة، وحرصا وتشجيعا للعلماء، فضلا عن أنه حامل لواء الإصلاح والإبداع والتحديث في المملكة. لحسن الحظ أن مركز تنمية الصادرات التابع لمجلس الغرف السعودية مكننا مع بدء الزيارة من التعرف على حجم التجارة الثنائية بين الدولتين، مشيراً إلى أنها بلغت نحو 11.45 مليار دولار، وأن إجمالي الصادرات السعودية إلى الهند في عام 2005م بلغ نحو 9.8 مليارات دولار، وأن واردات المملكة من الهند تصل إلى ما قيمته 1.65 مليار دولار في نفس العام، كما بلغت الاستثمارات السعودية الهندية المشتركة المرخص لها بالمملكة نحو 106 مشروعات برأس مال قدره نحو 455 مليون دولار، وهي أرقام ستترك زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز أثراً ملموساً على تصاعدها ونموها بالقدر الذي يستجيب لأهداف الزيارة والغرض منها. فالملك عبدالله ومثلما قال في حديثه لقناة التلفزيون الهندية (إن. دي. تي. في) يعتبر الهند دولة صديقة وأنها تحظى بالاحترام من الشعب السعودي ومنه شخصياً، مشيراً إلى تطلعه لأن تعود الصداقة مع الهند إلى ما كانت عليه وأكثر، فالهند - كما يراها - تطورت أسرع من ذي قبل، وهذا يدل على أن الشعب الهندي شعب عملي وشعب طموح، وهذا يحفز لبناء علاقة صداقة وتواصل معه. في لقاء رؤساء التحرير بخادم الحرمين الشريفين، تحدث لنا عن الزيارة، وكان واضحاً رضا الملك عبدالله عن نتائجها، وسروره بما توصل إليه معهم من اتفاقيات وتفاهم حول العلاقات الثنائية بين الدولتين، وهو يرى أن الهدف من هذه الرحلة البحث عن كل ما يسعد المواطن ويصبُّ في مصلحته، ضمن الاستراتيجية التي تقوم عليها السياسة السعودية منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز وحتى الآن. وليس من باب الثناء أن نشير إلى مجموعة المكاسب التي حققها عبدالله بن عبدالعزيز لبلاده وشعبه، بأنه أعاد إلى العلاقات السعودية - الهندية وهجها، وفعَّلها بكل ما تم الاتفاق عليه، ولكننا نكتب هذا للتاريخ، نوثِّقه ضمن ما نعتقد أن الزيارة بنتائجها ستكون مجال بحث ودراسة لمن تعنيه العلاقات الدولية، أو أن له اهتماماً وإسهاماً في الشأن الاقتصادي.