من يزور الهند لن يعود منها دون أن تكون صورة غاندي بجسمه الهزيل أمام ناظريه، فهو مَنْ قاد شعبه إلى حركة العصيان وبلا عنف لتحرير بلاده من مستعمريها، وهذا الأسلوب الذي استخدمه (المهاتما) في المقاومة يعتبره الهنود كما تدونه كتبهم تراثاً عظيماً يجب تخليده. ومثله كان نهرو رفيق درب غاندي وخليفته بعد اغتياله، بما لا يمكن أن تقرأ عن تاريخ الهند كتاباً أو مجموعةً من الكتب دون أن تجد هذين الاسمين اللامعين ضمن الرصد النوعي لتاريخ الهند المجيد. أكتب هذا وقد عدتُ من الهند مبهوراً بما قرأتُه عن تاريخها، سعيداً بأن أرى دولة بهذا الحجم من التاريخ البهي تحتفي بالملك عبدالله وتخطب وده ويتحدث قادتها عنه بما يستحقه ويليق بمكانته وسمعته. فقد قال الرئيس الهندي بأنه كان يتطلع بلهفة إلى زيارة الملك عبدالله للهند منذ أمد طويل، وإن مباحثاته مع الملك عبدالله تؤكد التشابه الكبير في وجهات النظر حول كثير من القضايا المهمة، ليرد عليه خادم الحرمين الشريفين بدعوته لأن يزور المملكة للاجتماع وتعميق الصلة بالأصدقاء السعوديين. ومثلما كانت هناك لقاءات ومباحثات بين الملك والرئيس، كانت هناك مباحثات بينه وبين رئيس وزراء الهند السيد مانموهان سنغ في قصر حيدر أباد في نيودلهي، وقد أنهياها بتوقيع الوزراء المعنيين في الجانبين على أربع اتفاقيات مهمة لزيادة فرص ومجالات التعاون في المجالات الاستثمارية وتفادي الازدواج الضريبي ودعم النشاطات الشبابية والرياضية والتعاون في مجال مكافحة الجرائم. وبالنسبة للقطاع الخاص فقد وَقَّعَ رجال الأعمال في البلدين من جانبهم على إحدى عشرة اتفاقية اقتصادية بعد أن دشن خادم الحرمين الشريفين معرض المنتجات السعودية في نيودلهي الذي أُقيم بمناسبة الزيارة التاريخية للملك عبدالله بن عبدالعزيز وشاركت فيه أربع وعشرون شركة سعودية. وخلال افتتاح الملك عبدالله لمعرض الصناعات السعودية يرافقه رئيس وزراء الهند أبلغ رجال الأعمال والإعلام عن شعوره بالرضا بتوصل المملكة مع صديقتها الهند إلى اتفاق بشأن حماية وتشجيع الاستثمار وتبادله وتفادي الازدواجية الضريبية، مؤكداً بأنه سيكون لهاتين الاتفاقيتين المهمتين أثرهما الإيجابي على زيادة الاستثمارات وتقوية العلاقات الثنائية. بينما جاء تعليق رئيس الوزراء على ما صرح به خادم الحرمين الشريفين متمحوراً حول ما تمثله هاتان الاتفاقيتان من إطار قانوني لترويج الاستثمارات في البلدين، وما تمنحانه من ثقة واطمئنان لدى المستثمرين من رجال الأعمال في كل من الهند والمملكة، وقد ترك تصريح الملك ومثله حديث رئيس الوزراء انطباعاً جيداً لمن استمع إليه من رجال الأعمال في الجانبين. ومن الواضح أن زيارة الملك عبدالله للهند لا تُصَنَفُ بوصفها إحدى زيارات المجاملات، أو أنها كتلك الزيارات التي يقوم بها بعض القادة لبعضهم الآخر دون أن تكون لها تلك الأهمية، عطفاً على النتائج التي تم التوصل إليها خلال الزيارة، ولوجود قواسم مشتركة من المصالح التي تغطي جوانب كثيرة مما له صلة في خدمة التنمية في البلدين، فضلاً عن مساهمتها بإزاحة المعوقات تحقيقاً للأهداف المشتركة. هناك ما يقارب من 49 مشروعاً هندياً سعودياً مشتركاً في الهند، وقرابة ضعف هذا العدد في المملكة، وإذا ما استمر التواصل والتعاون والسعي نحو التكامل في المشاريع المشتركة هنا وهناك، فمن الطبيعي أن نقول بثقة إن زيارة الملك عبدالله للهند قد فتحتْ نوافذَ جديدةً وأبواباً أخرى لمزيد من الفرص الاستثمارية المهمة التي لم يُبت فيها بعد.