من طبيعة النفوس السوية أن تستفزها الممارسات المخجلة الموغلة في الانحدار السلوكي، والخروج لا على الشرائع وحدها فحسب، بل على قانون الطبيعة ومقتضى الفطرة التي فطر الله الناس عليها. ومما يصدم المشاعر الإنسانية ما نشره الدكتور حمد الماجد في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 22-11-1426ه - 24-12-2005م بعنوان: (حربي الخاسرة مع اللوطيين).. وكنتُ ولا أزال من المتابعين لما ينشره الدكتور الماجد ومن المعجبين بطرحه المتزن ورؤيته الواعية، وهو يروي في نهاية حديثه عن الحوار الذي أداره مع أحد عتاة أو دعاة اللوطية في (الهايدبارك) أن المذكور سأله: هل جربت ذلك؟ ولما أجابه بالنفي: كان رده: كيف تنتقد فعلاً لم تجربه ثم أردف جربه ثم تعال إليّ مرة أخرى!؟ واكتفى الأستاذ بوضع علامتي تعجب واستفهام، وانسحب من الحوار وهو يكتم غيظه وكأن هذا اللوطي انتصر في ساحة الحوار، وهو يدافع عن ممارسة شاذة خارجة على الفطِر السليمة والقيم الإنسانية!! *** وتمنيت لو أن الدكتور حمد الماجد لم ينسحب بعد ما صدمه السؤال الاستفزازي الوقح كالمهزوم بالضربة القاضية، وإنما أجابه: بأن هذا الفعل الهابط مما تعافه النفوس السوية وتشمئز منه المشاعر الطبيعية، ثم يسأله سؤالاً مضاداً: هل تستسيغ الخارج من الدبر؟ لا أظن إنساناً سوياً يتقبّل ذلك. إذاً كيف تمارس نزوتك في دبر مليء بما يُغثي النفس وتستنكف منه حتى الحيوانات، وكيف تستقبل (براز) من تلوط به حتى لو كنت تفتقد حاسة الشم فينبغي ألا تفقد حاسة الذوق، وهل رأيت حيواناً ذكراً ينزو على حيوان ذكر مثله؟ إن الحيوانات لا تفعل ما يفعله الشاذون أمثالكم؟ والذي يهبط بنفسه إلى ما دون هذا المستوى فهو في التصنيف الإنساني أدنى من الحيوان الذي يأنف من مثل هذه الممارسة الشاذة. *** وإذا ابتُلي من يدير حواراً مع إنسان شاذ، فما عليه لكي يفهم عنه هذا المحاور إلا أن يتنازل عن بعض أساليب الحوار اللائق بطبيعة الحوار، وذلك إذا كان محاورك لوطياً يدعو إلى الشذوذ ويتحمس له، وهنا قد يهبط مستوى الحوار بُغية إفهام مَنْ ليس لديه استعداد أن يفهم إلا من خلال الزاوية التي يريدها هو، أو النقطة التي ينطلق منها. وما دمنا نخوض هذا المستنقع الآسن مع أشباه الرجال من المنحرفين الذين أباحوا الشذوذ وسعوا جهدهم لإقراره في (الزواج المثلي) تحت اسم الحرية الإنسانية، فالإنسان في نظرهم من حقه أن يعيش منفلتاً من قيود الأخلاق ومواثيق القيم، والفرد من هؤلاء الشاذين المقزّزين يريد أن يحيا عبداً لنزواته وأسيراً لشهواته، ولذا فإن هذه الفئة التائهة في سبيل تحررها المنفلت من كل معاني الدين الكريم والخلق القويم: تدوس قيم وأعراف المجتمعات، وتدنس شرف الفضيلة التي يحافظ عليها المواطنون الأسوياء، ويوجد الشذوذ لدى بعض أفراد في بعض المجتمعات لكنه يتم بعيداً عن الأنظار وفي خفاء بين ممارسيه وغير مجاهرٍ به. هذا فيما مضى في البلدان المنفتحة على الحرية من أوسع أبوابها.. لأن المجتمعات في غالبيتها تسودها أخلاقيات وأعراف تستنكر هذه الجريمة المنكرة المخالفة للجبلّة البشرية، والمنافية لطبيعة المخلوقات على اختلافها. *** وقد شدَّد الإسلام عقوبة اللواط تشديداً يتفق مع النفور منها والتنفير منها، ولذا جعل عقوبة اللواط للفاعل والمفعول به القتل بأقسى العقوبات، فإذا كانت عقوبة الزاني غير المحصن جلده ما بين ثمانين إلى مائة جلدة وتغريبه مدة عام فقط، فإن اللوطي الذي لم يتزوّج يُعاقب بعقوبة أشد وأقسى وتتمثَّل في عدة طرق قاسية التنفيذ لفظاعة الجرم المرتكب وكلها تنتهي بالقتل، وفي هذا دليل على جسامة هذه الممارسة الأثيمة والفعل الفاضح، لا سيما في عصرنا الحاضر الذي أصبحت المجاهرة بالشذوذ لا تستلفت الأنظار فضلاً عن أن يتعرض مرتكبها للعقاب الأليم في البلدان التي أساءت استخدام الحريات فامتهنتها بالمجاهرة الفاضحة، والدعوة إليها بلا خوف من العقاب ولا حياء من العباد، ونتيجة ذلك استطاع أفراد منحرفون يُعَدَّون على أصابع الأقدام: أن يفرضوا وقاحتهم على مجتمع بكامله وأمة بتقاليدها المحافظة، فنُسفت كل القيم وهُدمت جميع الفضائل في سبيل تعميم عُهرهم بين الجميع، ولذا فقد تمادى الشواذ في المجاهرة الفاضحة حتى طالبوا بنقابات لهم وأن يشرّع لهم الزواج ببعضهم.. *** وقد لا تسعفني مفردات الحديث عن هذه الآفة العفنة لهبوط مفردات قاموسها الوضيع، وتدني مستواها الهابط وذلك على الصعيد الديني والخلقي والإنساني.. وإذا تأملنا الواقع الاجتماعي العام وجدنا: أن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم وفضَّله على جميع المخلوقات، ومن هذا التفضيل أن خلق منه الذكر والأنثى، وجعل التزاوج بين الجنسين علاقة شرعية لها حرمتها ومكانتها في حياة البشرية، والرجل والمرأة يكمل كلٌّ منهما الآخر، وقد جعل لكلٍّ منهما أداة تواصل جسدي ورابطة امتزاج عاطفي، ومن خلال هذا التواصل والامتزاج بين الزوجين يتم الإنجاب وامتداد الأجيال، وفي ذلك استمرار لعمارة الأرض والعيش في هذه الدنيا.. وبسابق حِكمة المولى سبحانه وتعالى وبمقتضى سننه الكونية: حدَّد الموضع الطبيعي للتواصل بين النوعين الذكر والأنثى، ومن خرج على هذا التحديد فقد خرج على الفطرة السَّليمة وأشاع الفساد في الأرض والله لا يحب الفساد.