قد تجري على الإنسان أوقات عصيبة ولحظات حزن صعبة على فقد عزيز أو أخ قريب.. فما أصعب أن تحول طبقات الثرى بينك وبين أخ من إخوانك تخطفته يد المنية في ريعان شبابه ورحل عن هذه الدنيا ليتركك وحيداً إلا من بعض ذكرياته التي عشتها وإياه.. ليتركك تعيش مرارة الوداع وتتجرع غصص الفراق وتسطر بالدموع رثاء من القلب.. وذلك هو ما حدث لي في يوم وداع المرحوم أخي نايف غفر الله له وأسكنه فسيح جناته.. طواه الردى عني فأضحى مزاره بعيداً على قرب، قريباً على بعد ما أصعب ذلك اليوم، وما أقسى وقع الفاجعة إذا وقعت بقريب عزيز.. وما أشد وقع الفراق الذي لا ملتقى بعده في هذه الحياة.. وما أعظم المصيبة حين وقوعها فجأة في أغلى محبينك.. وأنت لا تملك أمام هذا الحدث حولاً ولا قوة فلا حول ولا قوة إلا بالله.. أخي نايف.. هل أتحدث عنك؟ أو أتحدث عن حالي من بعدك؟ هل أرثيك أم أرثي حالتي بعد فراقك؟ نعم أرثي حالتي بعد فراقك.. أرثي حالتي بعد فراق أخ جسد كل معاني الأخوة.. أرثي نفسي بعد فراق وجهك الباسم الضحوك.. أرثي نفسي بحجم مصيبتي فيك.. أرثي نفسي بمقدار حزني على رحيلك.. أرثي نفسي بعد أن فقدت بعضها وقطعة منها.. إذا ما مات بعضك فابكِ بعضاً فإن البعض من بعضٍ قريبُ إن الحدث جلل، والفاجعة عظيمة، والمصاب أكبر من الوصف، والجرح أكبر من التعبير.. فكيف أستطيع أن أصف فقدي لك؟! وكيف أجد تعبير يصف الجرح الذي أصابني بعد وداعك للحياة؟! فما أصعب أن يجد الشخص نفسه فجأة قد فقد أخاً له نشأ وإياه في بيت واحد وقد جسد الأخوة بكل معانيها.. ومن الصعب أن يغيب الموت شخصاً عشت وإياه ذكريات طويلة.. أخي.. إن من بعد تلك الليلة التي سمعت فيها خبر رحيلك لم أعد أحس بطعم لحياتي.. تلك الليلة التي صرت فيها ومن بعدها وكأن جسداً بلا روح.. لم يبق بعدك لي شيئاً أؤمله تركتني أصحب الدنيا بلا أملِ أخي.. ما أعظم مصابي فيك! وما أشد حزني على رحيلك! وما أفظع ذلك اليوم الذي ودعتك فيه وأنت جسد بلا روح! أخي.. سأظل أذكرك في كل لحظة.. وسأرى وجهك الباسم في كل يوم.. وسأرى صورتك في كل مكان.. وكيف لي أن أنساك وقد تركت لي في كل شيء ذكرى تذكرني بك.. كيف لقلبي أن ينسى وقفاتك معي؟ وكيف لروحي أن تقوى على نسيان روحها؟ رحمك الله أبا محمد.. بأي وصف أصف نفسي حين قبلت جبينك في آخر مرة رأيتك فيها وأنت مسجى على النعش.. بل كيف أعبر عن نفسي وأنا أرى جثمانك يقدم أمام الإمام للصلاة.. وكيف لي أن أتحدث عما بداخلي وأنا أحمل جثمانك إلى قبرك.. وبأي حديث أعبر عن موقفي حين صف اللبن من فوق جسدك الطاهر أمام ناظري.. بأي لسان أتحدث عن نفسي في تلك اللحظات.. وبأي تعبير أجد وصفاً لحالتي في ذلك الموقف.. لقد أحسست برهبة تمكنت من جميع أجزائي وهزت كياني وسكنت جميع جوارحي وهدت كل قواي.. ويعلم الله أنني أحسست بإحساس لم أحس بمثله في حياتي وحزن ملأ جميع أركاني.. ومهما كتبت وسطرت فلن أستطيع وصف ذلك الموقف.. فلقد لاعني ذلك المنظر.. كيف لا وأنا أعلم أن هذه آخر لحظات أراك فيها.. ولقد أحسست وكأني قد دفنت قلبي معك في قبرك، كما أحسست بخروج روحي من جسدي حال سماعي خبر رحيلك.. والله لقد أحسست بطهارة التراب الذي احتوى جسدك.. فما استطاعت قدماي أن تحملني عليه.. ولا تسأل عن حالي بعد وصولي إلى البيت وقد دفنت روحي بيميني.. وواريت التراب شخص يعني لي الكثير.. وودعت أحد إخواني وداعاً أبدياً.. تمنيت لو يستطيع المرء أن يهدي من عمره لجعلتك تأخذ من عمري ما تشاء.. أخي.. لأن غاب شخصك فلن تغيب ذكرياتك ولن يغيب ذكرك.. بل ولن تغيب عنك دعواتي لك بالرحمة والمغفرة في كل وقت أتذكر فيها طيب قلبك وصفاء روحك الطاهرة.. في كل وقت نتطرق فيه لسيرتك العطرة.. في كل وقت أتذكر فيه ما فيك من الصفات الحميدة.. في كل وقت أحس فيه بتقصيري تجاهك ونسياني لبعض حقك.. على الرغم أنك لم تعتب علي في يوم بتقصيري بحقك.. أخي.. لن أنسى صورة وجهك المبتسم.. ولن ت فارق مخيلتي ضحكتك التي لا تفارق محياك رغم همومك التي تحملها.. ولن أنسى اتصالاتك بي بين الحين والآخر لتسألني عن أحوالي وعن دراستي، مع أن الحق لك بأنك أخي الأكبر.. لن أنسى مناصحاتك الأخوية لي النابعة من قلبك الوافي حين أقصر في أمر من الأمور.. وسأظل أذكر كلماتك الصادقة التي تنبع من قلبك في تشجيعي على دراستي والشد من همتي.. ولن أنسى تلك الهدية التي قدمتها لي حينما أخبرتك بنجاحي ولن أنسى فرحتك لي والتي بدت على محياك.. ولن أنسى رسالتك التي بعثتها لي من رقم جوالك لتهنئني بالعيد، ولن أنسى أنك أول من هنأني.. بل لن أنسى ما حييت تلك الورقة التي كتبتها لي بخط يدك قبل وفاتك وضمنتها وصايا عديدة فسأحفرها في مهجتي لترى بصمة واضحة في حياتي وكان في مطلعها تلك الوصية التي أوصى بها الله عز وجل وهي وصية بتقوى الله والبر بالوالدين. فسأحتفظ بها وسأقرأها في كل صباح ومساء لتذكرني حجم الخسارة التي أصابتني بفقدك وسأظل أقرأها لتذكرني كم كنت حريص على مصلحتي وكم كنت تريد لي الخير.. ولن أنسى الكثير والكثير من المواقف التي أخذت تتسابق إلى ذهني والتي تمثل لي بأن أخوتك بلا حدود.. أخي.. إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك لمحزونون، ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ)، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلفنا خيراً منها.. أخي.. لقد فقدت بفقدك أخاً مشفقاً ومقدراً لمعنى الأخوة.. لقد فقدت بفقدك جزءًا كبيراً في حياتي.. لقد فقدت بفقدك شخصاً يشاطرني همي وحزني، كما يشاطرني أنسي وفرحي.. ولكن عزائي فيك هو حرصك على أوامر الله وحبك لفعل الخير. عزائي فيك هو حبك لعمل الطاعة وحرصك دوماً على صلة الرحم، وابتسامتك الدائمة في وجه كل من تقابله، عزائي فيك أنك جمعت أفضل الخصال من الكرم والشهامة وحب الخير للآخرين. عزائي فيك أنك مت ويعلم الله أنني لم أسمع منك أبداً أنك تتحدث في عرض أحد أو تسب أحداً.. عزائي فيك هو برّك بوالدتك ورضاها عنك، أسأل الله أن يجبر مصابها فيك. وعزائي فيك وهو ما أثلج صدري ذلك الجمع الذي شهد جنازتك وموقف رحيلك، وذلك إنما يدل على محبة الناس لك وقبولك عندهم والناس هم شهداء الله في أرضه. غفر الله لك أخي وجبر مصابي فيك وجمعني بك في جنات النعيم.. كما أسأله أن يقر أعيننا بصلاح ذريتك وأن يجعلهم خير خلف لك في هذه الحياة. [email protected]