تعقيباً على ما سبق أن نُشر بجريدتكم الغراء حول الإنترنت وروادها فإنني أقول إن ظاهرة الأسماء والكُنى والألقاب التي طفحت بها مواقع الإنترنت لهي ظاهرة مرضية خطيرة في عالم الثقافة والفكر قد تكون كخطورة المفاعلات النووية على بني الإنسانية، وهي تملّص من المسؤولية وإصرار على التعتيم وتبرؤ من الشفافية وفزع إلى الظلامية وتعزيز للأنانية وإبحار في الأحلام والكوابيس الليلية وخروج عن المألوف والواقعية وتعطيل مقنن لمسيرة التعارف بين البشرية وإساءة إلى النفس مغلّفة بعباءة الحرص على الحماية لها.. إننا في زمن خدش فيه الحياء جهاراً نهاراً من الكثير وشوّهت المجتمعات المحافظة سلوكيات مشينة من شرذمة من المراهقين الوقحين بترقيم النسوان وملاحقتهن في الأسواق دون حياء من الرحمن هذا في وضح النهار فكيف ونحن نقنن للخفاء وينعقد الإجماع لدينا لفظياً وسكوتياً على هذا النهج الذي يزيد الغموض ويغذيه ويكون كالقتام على شمس الحقيقة ويهوّن من شأن المسؤولية إن لم يجعلها عدماً، إذ إن الأسماء والألقاب المستعارة تخرِّج لنا أجيالاً من المجاهيل الذين إن لم تكن أقوالهم وأخبارهم مردودة فهي على أقل الأحوال كأخبار بني إسرائيل لا نكذبها وليست حرية بأن تحظى بشرف التصديق. باختصار شديد هذه الألقاب لم تأتنا بخير لأمرين اثنين: الأول: أن صاحب القول لما تيقن من أنه لن يعرف فلن يكون في الغالب مسؤولاً وسيكون عن طائلة العتاب والعقاب فيما إذا أخطأ بعيداً في حصن حصين. الثاني: لن نتمكّن من التثبّت الذي أمرنا به ربنا عزَّ وجلَّ. وكفى بهاتين السوأتين قبحاً وشيناً، وكفى بهما حادياً لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد إلى شجاعة الصراحة وجمال الوضوح ونور الحقيقة الذي في سبيله أقدمت على انتقاد الكل وحث الجميع على كشف الحجب والأقنعة الزائفة والأسماء الكاذبة والألقاب الخدَّاعة التي تتوارى وراءها تلك النواصي التي ادرعت بالموضة ولبست ثوب التقليد ولم ترفع بالاستقلالية والاعتداد بالذات وقوة الشخصية رأساً، بل جنحت إلى ذاك الستار الرقيق والمهيع الوخيم وذلك البحر متلاطم الأمواج الذي تسير مراكبه في كل اتجاه بلا ربان وليس لها هوية ولا مرسى. وهذا ما يتحيّر منه العقلاء ويستهجنه النبلاء وتنتقده حتى العامة والدهماء فأنقذ الغارقين يا رب الأرض والسماء.