إذا كانت منظمة اليونسكو قد أقامت الدنيا عندما خُرِّبت تماثيل بوذا في أفغانستان، وذهب إلى كابول حشود من الصحفيين وحماة الآثار دفاعا عنها باعتبارها تراثا إنسانيا - حسب وصفهم - فإنها لا تحرك ساكنا أمام ما يحيق بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة! وفي الوقت الذي ما زالت فيه حكومة الاحتلال الصهيوني تواصل تنفيذ خططها الهادفة إلى نسف المسجد الأقصى بزعم مواصلة الحفريات في محيطه وداخل أسوار مدينة القدس، مدعية أن أسوار البلدة القديمة والمسجد الأقصى آيلة للسقوط، فإن المنظمات الدولية وفى مقدمتها اليونسكو التزمت الصمت. وقد دعا الشيخ عكرمة صبري مفتى القدس والديار الفلسطينية العالم الإسلامي إلى التحرك العاجل لحماية المسجد الأقصى بعد الكشف عن قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي ببناء كنيس يهودي تحت الحرم القدسي الشريف، حيث جرت عملية البناء تحت غطاء قيام دائرة الآثار الإسرائيلية بفحص المكان والتنقيب عن أثريات وجود ما يسمى بهيكل سليمان المزعوم، كما قامت بأعمال حفريات على أرض مقبرة (مأمن الله) في القدس لبناء ما تسميه ب (مركز التسامح)، واصفا ذلك بالجريمة البشعة بحق المسلمين بانتهاكها الصارخ لحرمة الأ موات. وتعد مقبرة مأمن الله أكبر وأقدم مقبرة إسلامية في القدس فيها قبور من الصحابة الكرام والتابعين والشهداء والعلماء على مساحة تبلغ 200 دونم، ورغم حرمتها لكنها تتعرض لاعتداءات إسرائيلية منذ عام 1948 من إقامة الفنادق والشوارع ومدّ شبكة المجاري من أرض المقبرة، والاعتداء الأخير عليها بالبدء ببناء متحف التسامح الذي وضع حجر أساسه العام الماضي بمشاركة أرنولد شوارزنيجر حاكم ولاية كاليفورنيا الأمريكية. ويضيف الشيخ صبري أن الحفريات التي قامت وتقوم بها سلطات الاحتلال ملاصقة ومحاذية للمسجد الأقصى، مشيراً إلى قيام سلطات الاحتلال بهدم حي المغاربة، وبناء حي استيطاني كبير على أنقاض حي الشرف داخل البلدة القديمة، واستعمال الرافعات، وتعمد إلى تحليق الطائرات الصهيونية بشكل منخفض فوق المسجد الأقصى، محدثة أصواتاً مرتفعة واهتزازات، وكل هذه الأسباب أدّت إلى حدوث اهتزازات للسور، وبالتالي حصلت التشققات، محملاً سلطات الاحتلال المسؤولية كاملة عن هذه التشققات، وما قيل عن احتمال انهيار السور. من ناحيته اتهم الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في إسرائيل (فلسطين 48) ورئيس لجنة الدفاع عن الأقصى، الاحتلال الإسرائيلي بترميم كنيس تحت المسجد الأقصى، عرضت صورًا له قناة (العربية) الإخبارية الفضائية. وأكد أن ما يجري حتى الآن تحت حرم المسجد الأقصى أمر خطير لوجود مساعٍ متواصلة لحفر أكثر من نفق بالإضافة إلى الأنفاق التي اعترفت بها المؤسسة الإسرائيلية. وأشار إلى مواصلة حفر أنفاق لربط الجدار الغربي مع الجدار الشرقي للمسجد الأقصى بنفق يمر تحت قبة الصخرة المشرفة، معا لسعى لتحويل قطاع من هذه الحفريات إلى كنيس تقام الصلاة فيه تحت حرم المسجد الأقصى. وألمح إلى أن بداية الحفائر تمت عندما دعا نتنياهو إلى مواصلة الحفريات للوصول إلى ما سمّاه بالصخرة الأساس التي يزعمون أنها تشكل الأساس لما يدعونه من هيكل أول أو هيكل ثانٍ تحت حرم المسجد الأقصى، مؤكدا وجود مساعٍ قوية لإعادة بناء هيكل على حساب المسجد الأقصى، حيث تزعم الطوائف الدينية الإرهابية اليهودية بأن واجبهم الديني يحتم عليهم إعادة بناء هيكل ما بين عامي 2005 إلى 2007، وهو ما يفسر سبب هرولتهم لتحقيق هذا الهدف، إضافة إلى أن اجتهادهم الديني أوصلهم إلى أن المؤسسة الإسرائيلية الحالية لن تستمر أكثر من 60عاماً أو 76 عاماً، لحين ظهور ملك إسرائيل الذي نسميه في عقيدتنا الإسلامية بالمسيح الدجال. وأضاف أنه تجرى منذ الستينيات أعمال حفر تحت المسجد الأقصى وأنها لازالت مستمرة حتى الآن وبأعماق خطيرة، وأن ذلك كله يتم بموافقة الحكومة الإسرائيلية. ويحمل الشيخ صلاح حكومة الاحتلال مسؤولية أي خطر لأي تصدع في مبنى المسجد الأقصى لأنها بدأت الحفريات حوله وبداخله منذ عام 1967 في الجهتين الجنوبية والشرقية، وجرفت جزءاً من مقبرة الرحمة التي تضم قبور بعض الصحابة. من جهته قال صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين إن إسرائيل تحفر تحت الأقصى منذ سنوات ولم تجد شيئًا مما تدعيه، مؤكدا أن الجانب الفلسطيني سيناقش ما قاله رائد صلاح مع اللجنة الرباعية. وأكدت مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية في بيان لها نشرته دائرة الأوقاف في القدس من أن أسوار المسجد الأقصى وبناياته بشكل عام متينة البنيان، وأ ن سلطات الاحتلال تواصل وضع وتنفيذ مخططات ترمي إلى هدم المسجد الأقصى في مقدمتها مواصلة الحفريات في محيط المسجد؛ حيث تقوم سلطات الآثار الإسرائيلية ومنذ فترة بحفريات جديدة في منطقة ساحة البراق بالقرب من الجدار المحيط بالمسجد، كما تقوم بأعمال حفريات في منطقة برج اللقلق الملاصقة للجدار الشمالي للبلدة القديمة قرب باب الساهرة. ودعت مؤسسة الأقصى جميع المؤسسات والجمعيات العربية والإسلامية وعلماء الآثار والجغرافيا والتاريخ إلى تشكيل لجنة عربية إسلامية تتولى فحص كل حجر وجدار وسور ومبنى في المسجد الأقصى والبلدة القديمة، وتقديمه إلى هيئة الأوقاف في القدس، ونشر نتائجه على أوسع نطاق ممكن، وأنه إذا تم اكتشاف مخاطر تشقق، فإن الجهة الوحيدة المخولة لإجراء الإصلاح والترميم المطلوب هي هيئة الأوقاف الإسلامية في القدس ولجنة الإعمار. ويرى المراقبون أنه رغم مزاعم سلطات الاحتلال الكاذبة بأنها تسعى من حفرياتها إلى ترميم المسجد الأقصى، لكنها في الواقع تهدف إلى بناء هيكلهم الثالث على أنقاض المسجد الأقصى، وهو ما يتضح جليا من عدة أمور أهمها أن نتنياهو أهدى إلى المطران مكسيموس سلوم رئيس الكنيسة اليونانية في 29ديسمبر 1996 مجسما من الفضة للقدس القديمة وفيها مجسم للهيكل بدلا من المسجد الأقصى وفي الإطار نفسه، كشف الشيخ رائد صلاح إحباط محاولة يهودية لدخول المسجد المرواني الواقع أسفل المسجد الأقصى - التسوية الشرقية للمسجد الأقصى - في الأسبوع الأخير من شهر رمضان عبر فتح بوابة في الحائط الجنوبي للمسجد الأقصى أيضا ما تكشف عن وجود أكثر من نفق تهدد أساسات المسجد الأقصى، يبدأ أحدها من الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى بمحاذاة الحائط الغربي ويبعد عنه بمسافة 4أمتار، ويتراوح ارتفاعه ما بين 6-9 أمتار وبامتداد طولي يبلغ حوالي30 متراً ينتهي بحجارة رقيقة بُنيت حديثاً ويمكن إزالتها بسهولة ويسر وفي خلال دقائق معدودة، وبالتالي الدخول المباشر إلى عمق المسجد الأقصى، وإذا كان النفق الأكبر يقع مباشرة تحت ما يعرف باسم الباب المفرد للمسجد الأقصى، فإن النفقين الآخرين يقعان أسفل الباب المزدوج، وكلاهما يؤديان إلى المنطقة الواقعة تحت المسجد الأقصى والمعروفة باسم التسوية الشرقية للمسجد الأقصى.وقد قامت الحكومة الإسرائيلية بالفعل بمرحلة الهدم، بالقيام بإجراء حفريات تحت المسجد الأقصى عبر أكثر من عشر مراحل وذلك لتفريغ الأرض من تحت المسجدين الأقصى وقبة الصخرة ليكونا عرضة للانهيار السريع بفعل أي عمل تخريبي أو هزة أرضية طبيعية أو صناعية. وهدفهم المعلن دائما من الحفريات هو الكشف عن آثار باقية للهيكل الثاني. ويعزز ذلك ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت في عددها الصادر في 21 مارس 1997 عن قيام سلطات الاحتلال بحفريات جديدة تحت المسجد الأقصى المبارك تستهدف البحث عن طريق تزعم أنها كانت تشكل قبل نحو ألفي عام مدخلاً رئيساً للهيكل الثاني، وذكرت مصادر الاحتلال بأن هذا الشارع العتيق اكتشف قبل أسبوع من ذلك التاريخ (صدفة) أثناء حفريات تقوم بها البلدية تحت محيط ساحة البراق الشريف في الجهة الغربية والجنوبية لسور المسجد الأقصى المبارك بدعوى مد شبكات تصريف مجاري جديدة في المكان، وعلى الفور أوقفت بلدية الاحتلال عمليات الحفر الجارية على عمق أربعة أمتار واستدعت خبراء سلطة الآثار التي زعم مديرها العام - الجنرال أمير دوري - أن الطريق المكتشف تحت الأرض يعود لفترة الهيكل الثاني وهو إحدى الطرق الرئيسية التي عبرت القدس القديمة عرضياً من الجنوب إلى الشمال بمتاخمة السور الغربي للمسجد.