مع بداية كل عام هجري.. تتجلى لنا أروع صور الكفاح في عنفوانه.. والنصر في مهرجانه.. مع بداية كل عام هجري.. تبدو لنا صور مشرقة للتضحية بالنفس والنفيس.. من أجل مبدأ سام وعقيدة خالصة.. عندما يهل علينا شهر المحرم بطلعته ويملأ القلوب بعبير نفحته.. تتمثل أمام العيون ذكريات حية.. وآمال ندية.. وأحداث عظام غيرت مجرى التاريخ للبشرية.. على يد صاحب الدعوة الإسلامية - صلى الله عليه وسلم-. إنها ذكريات وعبر خالدة.. تشحذ الهمم وتجدد العزائم.. وترسم لنا آمالاً عريضة.. وتفتح أمامنا لتحقيقها مغاليق الزمن وكل أبواب المستقبل.. إنها مدرسة تعلمنا منها كيف تصهر النفوس.. وتمتحن العزائم.. وكيف تنتصر العقائد الخالدة على العقائد البائدة.. وكيف يرتفع صرح اليقين على أنقاض الكفر المبين.. وكيف تبذل المهج والأرواح في سبيل الحق الوضاح.. وكيف تقتفى أثر الأسوة الحسنة لكل تلك المعاني النبيلة.. ممثلة في شخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وآله وصحابته الكرام.. الذين حملوا المشعل من بعده.. وواصلوا السير على الدرب غير مبالين بما قد يعترضهم من صعاب.. ولا بما يقف في طريقهم من صخور وأشواك.. لأنهم باعوا الدنيا بالآخرة والنعيم الفاني بالنعيم الباقي.. فربحت تجارتهم بعد أن تحققت في الدنيا من الله بشارتهم..{فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111)}سورة التوبة إن الهجرة النبوية ليست مجرد حدث مر به النبي- صلى الله عليه وسلم- والمسلمون معه.. ولكن لنا أن نتعلم منها الدروس والعبر.. فلقد كانت الهجرة النبوية إيذاناً بإعلان قوة عقيدة المؤمن.. وكانت الهجرة بداية عزة المسلمين. تعلمنا الهجرة النبوية أن نبذل الغالي والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى.. لقد غرست الهجرة في قلوب المؤمنين الصبر والإصرار والعزيمة.. لبلوغ الأهداف النبيلة .. وظل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعو قومه لدين الله.. ونبذ عبادة الأصنام ثلاثة عشر عاماً متواصلة.. فما لانت لهم قناة.. ولا استقام لهم طبع.. وما سما بهم التفكير.. حتى بلغ بهم العناد منتهاه.. ونال منهم الشيطان كل ما تمناه.. وقالوا في عناد ومكابرة {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } (5) سورة ص.. اليوم لابد لنا أن نهجر الفرقة.. ونهجر الشتات والضعف والمهانة.. لنكون أمة واحدة كالبنيان يشد بعضه بعضا.. فلنجتمع على كلمة سواء.. فربنا واحد وكتابنا واحد.. ولابد أن تكون كلمتنا واحدة وهدفنا واحد.. فلنجعل القلوب تهجر التناحر والتضاغن.. لنملأها بالحب.. لنهجر كل عمل ذميم وكل صفات مهينة.. نقترب إلى الله مولانا.. ونخلص القول والعمل.. {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ (128)}سورة النحل. فتعلمنا الهجرة أن الحق يعلو ولا يعلى عليه.. يقول عليه الصلاة والسلام (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية فإذا استنفرتم فانفروا).. كما أن علينا كأمة إسلامية أن نقف على فضائل الجهاد والدعوة الصحيحة إلى الله..اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعيدا عن الغلو.. وبعيدا عما نهى عنه المصطفى الأمين.. كما أن على علماء الأمة إرشاد الناس إلى حقيقة الدعوة.. وتعديل مسارها..الذي سلكه للأسف الشديد بعض الذين يستخدمون الدين ذريعة لأهداف سياسة تسيء إلى الإسلام والمسلمين.