يظل الانتماء للوطن قضية ثابتة بثبات الوطن وفي مضمونه يطرح سؤال عريض: ما هي المواطنة التي منها ينبثق الانتماء، حيث تتضارب حوله الإجابات ويستأثر بمساحة واسعة من المناقشات، وتتشعب بها الاتجاهات من دون تحديد دقيق أو توصيف كافٍ شافٍ لمعنى المواطنة. فمن خلال تحديد المواطنة نستظهر خصوصية الانتماء للأرض وبالولاء نستعلم خصوصية الهوية لكيان الأرض، فلم تكن المواطنة مجرد وثيقة نحملها لتأكيد قانونية التبعية لجنسية البلد.. كلا إنها أعمق من هذا بكثير فهي عميقة بعمق الجذور غائرة في أرض الجدود رسوخ الجبال والحقول، معانيها شاسعة بقدر مساحة جغرافية الحدود طانبة في الزمن على قدر تاريخها المجيد، هكذا يأتي معنى المواطنة صنيعة متآلفات ومتجاوبات ومتوافقات صنعتها جغرافيا تناغمت مع التاريخ انصهرت في حماها قيم، وتمازج في تربتها أريج التراث بررها صدق الارتباط بالأرض وأخلاقيات الأهل والخلان مشكلاً تماسكاً متضامناً مع موروثاته من مجموعها تولد شعوراً راسخاً بوحدة مصير صداه قادم عبر السنين موصول بحاضر الأحوال متكاتف يحمل أحلام مستقبل الأيام. فإن سلمنا بهذا المفهوم لمعنى المواطنة فسوف يفسر لنا فهماً آخر ينقلنا من صفة المواطنة إلى المواطن، وبموجبه يبرز سؤال: من هو المواطن على ضوء مفهوم المواطنة. المواطن: هو ذلك الفرد الذي يعيش على هذه الأرض ويتقاسم فيها مع إخوانه وذويه هموم العيش عليها ويرتبط معهم بعلاقات وتعاهدات تقضي بفروض حقوق وواجبات والقيام بأدوار على الفرد نحو الجماعة وعلى الجماعة تجاه الفرد لتتضافر الجهود وتتوحد الطاقات التي على عاتقها يقوم مجتمع متآلف يفخر الفرد فيه بالانتماء إليه يسكن في نفسه الإحساس بآلامه يشعر بمتاعبه يدافع عنه ويبدل ما وسعه الجهد الحفاظ على وحدة كيانه والمشاركة في تحقيق اهدافه والنهوض به والمساهمة لصيانة ثوابته. فإن سلمنا بهذا كصفات لمعنى المواطن فيجدر بنا أن نعمل على صياغة آلية عمل للمحافظة على ثباتها نجسده في السؤال التالي:كيف ننمي معاني المواطنة في النفوس ونرسخ مفهومها؟ لكي ننمي معاني المواطنة ونحميها من أية تأثيرات تهزها أو تنقص من وجدانها فينا علينا أن نعي جماعة وأفراداً أن اكتساب صفة المواطنة لم تكن وليدة وجيز من الوقت تزول بزوال ما برر اكتسابها بل هي نتيجة لتراكمات متأصلة في أعماق الزمن وطانبة في عروق الأرض نصونها بالعرق ونغذيها بالدم ونخلصها مما يشوبها أو يهدم دعائمها بيضتها ونذود عن حياضها كي نسد الطريق على المغرضين ومن يتربص بنا الدوائر لشق عصانا وتفريق لحمتنا.. علينا أن نعي أن تكون العدالة الاجتماعية مبدأنا والمساواة التعاملية ديدنا، فإذا وعينا ذلك علينا أن نبني سياجاً وقائياً ضد التيارات الفكرية المنحرفة والثقافات المشبوهة الخارجة عن تراث ديرتنا ومُثل ديننا وهوية بزتنا الوطنية المفعمة بفضائل الأخلاق وتنقيتها من المستجدات الملوثة التي تفرزها متغيرات العصر. فإذا سلمنا بهذا الوضع فسوف ننتقل إلى حقيقة أخرى عن: - ماهية الانتماء الوطني: من كل ما سلمنا به يمكن أن نضيغ معنى عاماً للانتماء الوطني- بأنه مزج ثقافي وتراث تاريخي وتعاقدات مترابطة وتعاهدات متوافقة شكلتها وحدة الأرض ووحدة الفكر والمصير واتحاد الأهداف والهموم لتحقيق حياة مستقرة يسودها الأمن ويظلها الأمان. - إذاً ما هي صفة الانتماء: يمكننا أن نقول إن الانتماء عبارة عن شعور الارتباط بالوطن. - هل للمواطنة شروط: لكي تكون مواطناً صالحاً تنطبق عليك صفة المواطنة يتوجب أن تتصف بالصدق والإخلاص وحمية تذود بها عن الوطن عند الشدائد وتهيم حباً فيه لدرجة إنكار الذات من أجله تقدم مصلحته العامة على مصالحك الخاصة وتهب دفاعاً مستميتاً عن أرضه وبذل الغالي والرخيص في سبيل رفعته ورفع شأنه بين الأمم. أن مجرد الشعور بذلك يعني استعداد كامل لأداء الواجبات والحصول على وافي الحقوق ليصبح الوطن قضية يحمل همه كل مواطن يؤمن بحتمية حب الوطن أوليس قديماً قيل في الأثر حب الوطن من الإيمان، يرتبط به قولاً وعملاً ووجوداً فيه أو غياباً عنه حتى تتحول إلى قناعة تجسد معنى الالتحام به والذوبان فيه والإحساس بأحاسيسه ليشكل كتلة متلاحمة مع عناصره المادية والمعنوية. فمن لا يشعر بفروض المواطنة تلك، هل يصح أن نطلق عليه مواطناً ومن لا يحس بإحساس وطنه هل يمكن نلبس عليه ثوب المواطنة. إننا ونحن نستلهم ماضي الزمان ونستنطق غابر الأوان عن أحوال هذه البلاد سنجد أنها كانت أراضي مقسمة وجماعات مشتتة وشرذمات متناحرة أماني ميئوسة وآمالاً مفقودة طابعها التفكك والفرقة لكنها يوم تماسكت عراها وتواصلت أطرافها واتحدت آمالها بحنكة الملك المؤسس عبدالعزيز يرحمه الله أصل كيانها ووحد أرضها فأقام شرع الله فيها واستتب أمنها وأشاع المحبة والسلام في ربوع أمة كيانها واحد (المملكة العربية السعودية) لها ولاء الطاعة الشرعية وتحت ظلالها برز شعور الانتماء الذي يتجسد فيه الإحساس بحب الوطن. فمن أجل الإنسان السعودي قام هذا الكيان الكبير في الجزيرة العربية حيث يواجه اليوم موجات حاقدة وتسلط عليه حملات مغرضة وأحقاد دفينة سيبوء بها صانعوها ويحمل وزرها فاعلوها فلن تهمنا الخطوب لأننا تعلمنا من الصحراء صبر الصمود ونزداد به قوة وشموخاً، فكياننا لم يقم بالأماني والأحلام بل قام على كلمة الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عزم الرجال الصناديد الأفذاذ عبدالعزيز مضرب الأمثال. فمن مجموع الآمال والآلام صنعنا المفهوم العميق لمعنى: (هوية المواطنة والانتماء لأحلى وطن).