أتأمل تلك اللحظة البديعة والشمس تودعني كما تفعل كل يوم بعد أن حكينا وتبادلنا أسرارنا يقبلني آخر شعاع منها وتضمُّها عيني إلى أن تتوارى نسائمُ الربيع تلامسني ببعض أريج أنتشي له.... وأملأ رئتي به آخذه إلى الأعماق إلى داخل الداخل... أخرجه بكل ما في يذوب في دائرة الهواء الأم ويسافر بعيدا بعيدا.... تصافحُ عيني نخلتي تلك المُسمّاة باسمي واقفة هي بين النخيل شاهقة عالية كمثلي ضاربة جذورها في الأرض يناطح رأسها السّحاب عوّدتها أن أقفَ بها كل يوم عند الغروب تسلّل عصفور إلى غرفتي لا أعرف كيف وجد طريقه إليها! لكنني فوجئت بذاك الصغير الجميل كعادتي صامته تأمّلته وكأنّه من كوكب آخر فرحتُ به فرحة الأنثى بحبيب جاءها بعد طول غياب أنستُ به أنس الوحيد المقطوع بروح هلّت عليه من حيثُ لا يدري! رفرفَ حولي كثيرا وهمسَ لي بكثير كمْ أحببته... راعني أن أخيفه إن تكلّمت أخذتُ أخطو بهدوء إلى الباب أمرت إحداهن أن تأخذه بلطف وتعيده إلى عالمه فما له وللغرف وما له بمن فيهنّ! عبثاً أحسستُ أنه لا يريدُ الخروج زقزقَ كثيرا عندما حاوَلتْ الإمساك به وكأنه يقول لها اتركيني معها أشجاني صوته الجريح لكنه لن يحتمل اللحظة القادمة فر منها وحطّ على طاولتي! حدّق بي مليّا وكأنه يعرفني وكأنّه مني! أتراه يحضرني كل يوم في وداع الشمس أتراه سمع أسرارنا! أهيَ نخلتي من أخبرته عني؟ أم أنها زفراتي السّابحة مع النسيم هنا وهناك! لا أعرف حقا!! لم أملك إلا ابتسامة شقّت طريقها قسرا إلى شفتي ودمعة تعودها مجرى الدمع في خدّي رفيقة كل المناسبات بمجرد أن يمسّ أعماقي شيء! كم تمنّيت أن ألمسه وما استطعت خفت عليه من أن يحرق بنار همي إن لامسته أصابعي رفرف كثيرا... وغرّد كثيرا ملأ الدنيا بلحظة خلت به عن من سواه آااااه ما أعذب وجوده! همست لي نفسي أن دعيه فالنافذة مفتوحة وسوف يرحل حين يشاء! لكن الوقت يمضي وهو باق! يطير حولي ويغرد... بدأت أنانيتي تقلقني فأفقتْ ناديتها.... أنْ خذيه الآن أخفيت عنها دموعي وأحسّها هو... فرّ منها مرارا... لكنّها أمسكته وابتعدت به...فما عدت أراه وغمرَ الدّمع عيني فما عدتُ أرى شيئا