لكل عصر متغيراته وتحولاته في كل مناحي الحياة. وكل جيل يجد في مرحلته من "المعطيات" ما يجعله يعتقد جازما أنه الأوفر حظا من الجيل الذي سبقه، وهنا تظهر المقارنات في معطيات كل جيل ومقوماته، حتى أن كل جيل ربما يتندر بالجيل الذي سبقه. منذ أواخر القرن الميلادي الماضي بدأت تلك المقارنة تأخذ حيزا أكبر وأخطر إذ بدأت في الظهور على مستوى الأفراد والجماعات في "الجيل الواحد" حتى لم يعد لتعاقب جماعة الأجيال دورا يذكر للرهان على توقع ماسيكون. سرعة مذهلة في التقدم والتغير,, تفنن عجيب متقاطر في الوسائل والأدوات، وانتشار فائق السرعة لإفرازات تقنيات الاتصال وعلومه واستخداماته,, طريق طويل مجهول النهاية يأخذنا إليه "الحاسب الآلي" بعلومه المتلاحقة. وحتى لا يصاب ليس الجيل ككل بل أفراد الجيل الواحد بصدمة الحاضر والمستقبل، وحتى لا يكونوا عرضة للتندر من عصرهم الذي يعيشون فيه فإنهم مطالبون أن يكونوا في قلب المتغير، وفي عمق الحدث. هذه الرؤية الآنية والمستقبلية "للعصر الرقمي الحديث" أدركتها الدولة بحكمة قادتها وإخلاص مواطنيها كل في موقعه، فجاءت الخطوة الحضارية التعليمية الكبرى في تاريخ التعليم في المملكة العربية السعودية تلك التي خطاها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني عندما أعلن سموه مباركته وإشرافه المباشر على مشروع عبدالله بن عبدالعزيز وأبنائه للحاسب الآلي المدرسي "وطني" الذي يهدف إلى إدخال الحاسب الآلي وتطبيقاته في مدارس وزارة المعارف، عندما عرض المشروع على أنظار سموه معالي وزير المعارف د, محمد بن أحمد الرشيد. إن ما يبعث على الثقة بنجاح المشروع بإذن الله أن مباركة ولي العهد لهذا المشروع التاريخي أخذت منحى خطابيا جديدا يتناسب والتحولات العالمية الجديدة في الخطاب التربوي والسياسي للدول التي تريد الدخول في سباق الحضارات بخطى ثابتة ومتزنة تقوم على الشفافية والمشاركة الوجدانية والعملية، وهي طبيعة المرحلة القادمة التي نعيش إرهاصاتها العجيبة والخطيرة. لقد وجه سموه خطابا تربويا وفق هذا المنظور الحديث الذي يتجاوز المسئولية الشخصية إلى آفاق أكثر رحابة ومشاركة,, عندما وجه رسالته الأبوية إلى وزير المعارف وأبنائه الطلاب فقال الأمير الإنسان: ابنائي الطلاب في جميع المدارس في جميع مراحلها,, لقد سعدت غاية السعادة وأنا أرى مشروع الحاسب الآلي المدرسي ينطلق بفاعلية هادفاً إلى تحقيق الأفضل لتأهيل أبنائنا من الأجيال السعودية الشابة لمحاكاة العصر ومتغيراته واحتياجاته المتسارعة في خطاها الثقيلة في وطأتها. ويضيف سموه مستثيرا الهمم، ومحفزا للإبداع في عصر التفوق والنبوغ بقوله: إنه عصر يستنطق كل متحرك وجامد، ويحمل في أحشائه ذرائع مختلفة اللون والطعم والرائحة لا تجانس بينهما بالفكر ولا اتحاد في معطياتها,, إنه خليط من المتناقضات السلبية والايجابية، التي تحتم على كل أمة مدركة لأهمية الأجيال القادمة وتأثيرها على المسار الوطني أن تنهض بمقدراتها لتحقيق الوعي الأمثل لدى أبنائها في محاولات جادة وحثيثة لاعاقة كل غث لايسمن ولا يغني، ودفع لكل فائدة نحن في المملكة العربية السعودية شعبا وحكومة أحوج إليها في زمن التقنية وعلومها. ومضى سموه في الخطاب الذي يمكن عده "خطاب استنبات الإرادة" والعزم الصادق للانطلاق الخلاق دون أن يحدث ذلك شرخا في ثوابت هذه البلاد الطاهرة التي تدعو إلى الأخذ بكل جديد ومفيد، وهو المنهاج الحق الذي تشرف بحمل لوائه أسلافنا الكرام عقيدة صافية قائلا: واليوم يا أبنائي: أخاطبكم من خلال هذه الرسالة مستثيراً كل راكد في النفوس، متوكلا على الله ثم عليكم وعلى وعيكم وروح خلاقة تغذت ولا زالت على آمال الوطن وأمنياته في أن نزاحم بالمناكب أمماً سبقتنا في هذا المجال، فلنأخذ عنها، ولننهل بنفعه، ولنزدري بأخلاقنا وقيمنا وقبل ذلك إيماننا بالله كل دخيل عليها وعلينا، ولننهل من معين العلم صفو المشرب خدمة لديننا وأمتنا، وليكن ذلك حاجة لا ترفاً، فالأمم تقاس مكانتها بالعطاء الذي يؤثر ويغير ويحدث، وماأجمل ذلك إذا جاء متسقا ونابعا من نقاء ديننا وأصالة أخلاقنا. وتتجلى في خطاب ولي العهد صورة جديدة من صور المشاركة والمسئولية الجماعية بقوله: أبنائي الأعزاء: إن إيماني بالله ثم في كل كلمة قلتها يجعلني أتجاوز مكان المسئولية التي أحملها فأخاطبكم كمواطن له من الحقوق كما عليه من الواجبات، لذلك فمن حقي أن اشارككم العزة لله ثم الوطن، ومن واجبي أن أكون معكم في مسيرتكم عضدا بعضد نحو بناء أمة حديثة ما عهدت في تاريخها أن تطأطئ برأسها ذلة أو هوانا فليحمل كل منكم دوره مع واجبه دون تقليل أو تهميش له، معلنا في ذات الوقت تغيير مسمى مشروع (صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز للحاسب الآلي المدرسي) ليصبح (مشروع عبدالله بن عبدالعزيز وأبنائه الطلبة السعوديين للحاسب الآلي). ثم يؤكد سموه في خطابه دعمه للمجدين، وتقديره لكل عمل وطني مشرف، فيقول مخاطبا المسئولين عن التعليم: صاحب المعالي: عندما أشد على يدك مقدرا جهودكم والعاملين في قطاع التعليم، وجميع أبنائي الطلبة، فإنني بذلك أصافح كل إنسان يضع مصلحة الدين ثم الوطن فوق كل اعتبار فامضِ في خطواتك واعلم بأننا نثمن العطاء ونقدره. هذا واسأل الله لنا جميعا التوفيق والسداد لخدمة ديننا ووطننا بقيادة أخي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز أيده الله بنصره , لقد أوجد خطاب سموه رؤى جديدة في خطابنا التعليمي والتربوي كون التربية والتعليم صمام الأمان للشعوب التي تريد إحداث تغيير إيجابي في مقدراتها، فضلا عن كون السياسة التربوية والتعليمية تعد بمثابة البنية التحتية التي يبنى عليها النهوض التنموي والاقتصادي وهو ما عناه خطاب سموه الكريم. هذا الخطاب المسئول أخذ عند التربويين بعدا آخر عبر عنه وزير المعارف في خطابه الجوابي إلى سمو ولي العهد بقوله: إن تشجيعكم لنا ياسيدي سيكون لنا بعد عون الله دافعا وحافزا على بذل المزيد من الجهد لمضاعفة العطاء، لأننا ندرك ما ترمون إليه، وتؤمنون به، من أننا لن تكون لنا المكانة التي نطمح إليها ما لم نمتلك ناصية هذالعلم. وأن أبناءنا مخولون بما من الله عليهم به من طاقات أن يكونوا من المبدعين, فبدون الإتقان والإبداع والتفوق "لن تكون لنا كلمة مسموعة في المحافل الدولية" وهو ما عناه الوزير الرشيد في موضع آخر عندما قال في كلمته بمناسبة العام الدراسي الجديد: إن من يعلم في هذا العالم سوف يستبعد من لا يعلم، إنه سوف يستعبده ويستبعده، ويضيف: "إذا فكل من لا يرضى لنفسه، وأبنائه، وأمته "بالاستعباد والاستبعاد" عليه أن يسابق للعلم وأن يحرص عليه ويحرص على طلبه". وحدد الوزير الرشيد أهداف هذا المشروع، إذ يعد داعما للنهج التعليمي باستخدام تقنية العصر، وجعلها أداة تعليمية مرتبطة بشبكة متكاملة، وتوسيع قاعدة استخدام الحساب الآلي لتشمل مراحل التعليم كافة، إضافة إلى هدف استراتيجي هام يتمثل في تأهيل جيل ناشئ متمكن من هذه التقنية، قادر على مسايرة العصر، وتلبية احتياجاته، وما يتبع ذلك من توسيع لدائرة المعرفة بالوقوف على المعارف والاكتشافات في الدول الأخرى عن طريق شبكة تعليمية متطورة,ويضيف الوزير الرشيد في برقيته الجوابية لراعي المشروع: إننا يا صاحب السمو نشعر بعظم المسئولية وليس لنا عذر في القعود عن تحقيق الآمال" ونعدكم أن نكون إن شاء الله عند حسن الظن,, وتتأكد أهمية الشعور بالمسئولية الوطنية عند التربويين إذا ما علمنا أن سمو ولي العهد كان أول المتبرعين، إذ تبرع بمبلغ (10) ملايين ريال، وتبنى سموه (300) طالب سنوياً طيلة مدة الدراسة. عبدالله بن صالح الحسني