حلّقتُ بالشام هذا القلب ما همدا عندي بقايا من الجمر الذي اتّقدا لثمتُ فيها الأديم السمح فالتهبت مراشف الحور من حصائها حَسَدا إنها الشام أرض صلاح الدين، ويوسف العظمة، إنها بلاد الياسمين ودالية العنب، ونوافير المياه، وخرير بردى، والجامع الأموي وجبل قاسيون.. إنها الشام العريقة بتاريخها، بأمجادها بلغتها بمتاحفها بحاراتها القديمة بأزقتها بشوارعها بحنان أهلها، بطيبة شعبها.إنها الشام بلاد كل العرب بلاد الخضرة والفواكه والثمار بلاد المشمش والدراق والفستق الحلبي.. بلاد الطيبين الكرماء.. ومهد الحضارات وقلب العروبة النابض. لماذا قتل الياسمين.. ودالية العنب.. لماذا الجراح العربية لا تندمل.. لماذا الدماء العربية دائماً تنزف.. والأرض.. أرضنا العربية تشبعت من دمائنا.. لماذا كل هذا ونحن في غفلة صامتون ونحن نسمع ونرى.. ولا نأت ببنت شفة ولا نحرك ساكناً، الإسرائيليون يقتلون ويدمرون ويقطعون الشجر، ويضربون النساء والأطفال والشيوخ والشبان دون رحمة.. وكلنا صامت ساكت .. شارون اللعين الذي لم يستطع إلى الآن أن يحاكمه أحد.. أو ينتقده أحد تشبع بالدم العربي الفلسطيني.. وما زال كالسرطان ينتشر في جسدنا بفلسطين.. الدماء العربية في العراق ما ذنبها.. أرض الرافدين والمربد ما ذنبها تراق فوقها الدماء؟ نحن لا نريد حقناً للدماء أكثر من ذلك لا نريد مآسي وأحزاناً عربية أكثر مما نرى ونسمع.. لماذا في عالمنا العربي يقتل الياسمين ودالية العنب، لماذا في الاسرة العربية الدموع لا تجف والقلوب لا تفرح، لماذا الحزن تلو الحزن.. أليس هذا سؤالاً يستحق الإجابة الشافية.. هل هو امتحان.. وأي امتحان أو هو امتهان لكرامتنا، للغتنا، لأرضنا، لشعوبنا، وأي امتهان. علينا أن نقف صفاً واحداً، كلمة واحدة، نفساً واحداً للدفاع عن أي شبر من أراضينا العربية.. لئلا تدنس أكثر.. فالصهاينة الأعداء يدنسون أرضنا، ويستبيحون أعراضنا ويقتلون نساءنا وأطفالنا وشبابنا وقادتنا، ويهدمون بيوتنا حتى أشجار الزيتون لم تسلم فقطعوها. ماذا بقي لنا بالله عليكم.. فلنحافظ على ماء الوجه المتبقي.. ونقف صفاً واحداً ضد أي عدو يريد المس بأي بلد عربي وبأي شبر من البلاد العربية الغالية. لماذا قتل الياسمين ودالية العنب.. لماذا نخضَّبُ بالدماء.. لماذا تصرخ نساؤنا.. ويخاف أطفالنا... لماذا أيامنا مكحلة بالسواد.. لا .. لن نسمح للأعداء بأكثر من ذلك كفانا ما لقيناه في فلسطينوالعراق.. وأنت يا سورية الأمويين، يا سورية القصيدة والقصة والتاريخ والعراقة، وأنت يا سورية الياسمين والورد والفل والزعتر البري، وأنت يا سورية الغوطة وبساتينها وآباريق النحاس والخزائن المطعمة بالصدف، وأنت يا بلاد صلاح الدين ويوسف العظمة وأنت يا سورية اللغة والعروبة والسيف الأموي.. حماك الله من كل سوء وأنت يا دمشق العرقسوس والصبار المثلج، وأسراب السنونو، وجوزة المتَّه والقهوة المرة، وأنت يا سورية رسائل الحب القادمة من السماء.. يا قارورة عطر يسكبها المحبون، ويا فيروز في صدور الحسان.. لن يقتل الياسمين فيك ولن تقطع دالية العنب.. بإذن الله. فأنت يا سورية.. يا دمشق الشام تسكنيني وتكتبينني وتمحينني، ترسمينني وتزرعينني قمحاً وورداً وياسميناً وعريشة عنب. لا.. لن يقتل الياسمين فيك ولن تقطع دالية العنب.. ثلاثون عاماً تغربت عنك وكلما جئت إليك صيفاً أحس أني أولد من جديد، فأتمسك بك كما يتمسك الطفل بثدي أمه، وعندما أغادرك أبكي وكأنني أفارقك لأول مرة.. وكأنني أفطم من جديد. فأحملك معي أينما ذهبت وأصطحب معي في كل مرة طاسات النحاس والزعتر البري والسيف الدمشقي والطاولات المرصعة بالصدف، أحملك معي أينما ذهبت وأنام معك في سرير واحد. وأحلم دائماً بك صبية رائعة الحسن والجمال.. فيك تتفتح الآمال وترتاح النفس من الهموم والأثقال. لا.. لن يقتل الياسمين فيك، ولن تقطع دالية العنب لأن ذراعيك مفتوحتان لكل العرب، وكل المحبين والعاشقين والرسامين والنحاتين والشعراء والكتاب والفلاسفة ورجال الدين. وبعد.. شام يا شام يا أميرة حبي كيف ينسى غرامه المجنون أوقدي النار... أشعلي الحطب فالحديث طويل وطويل لمن نحب الحنين.. شمس غرناطة أطلت علينا بعد يأس وزغردت (ميسلون) شام يا شام البسي دموعي سواراً وتمني.. فكل صعب لأجلك يهون وضعي طرحة العروس لأجلي إن مهر المناضلات ثمين رضي الله والرسول عن الشام فنصر آت.. وفتح مبين كلمة حق تطوحني الأسفار شرقاً وغرباً ولكن قلبي بالشام مقيم لحظة دفء: لو أنك تدرك.. أو لا تدرك فلا امرأة غيري يحكمها ميثاق عطرك ولا امرأة غيري بإخلاص تحبك امنحني فقط آخر الوقت أو أول الصمت فقد تاه زمني في مشاوير الهروب في ارتحالي.. في خطوط عطري المنقوش على كفيك؟!! لو أنك تعرف كيف يرتجف الحلم في أوصال الغروب.. في احتراقي لو أنك.. لو أنك لأدركت أننا بين الحنين.. والحنين آخر المحبين وأولهم.. [email protected] تليفاكس 2317743-ص.ب 40799- الرياض 11511