لا شك أن الحاجة إلى الحوار أصبحت حتمية بعد أن تجرّع العالم مرارة الحروب العالمية، والحروب الأهلية والإرهاب التي دمرت البشرية.. وليس في استطاعتها تحمل المزيد من الحروب والصراعات. وعندما ترددت أصداء ثقافية سياسية لنظرية عن (صدام الحضارات).. قامت منظمات عديدة بالدعوة إلى (حوار الحضارات) في الثمانينات عن طريق النشر في الصحف والإذاعة.. ولكنها لم تثمر بنتائج ملموسة حتى الآن.. فقامت المؤسسات والمؤتمرات الإسلامية برسم هدف دولي وهو ترسيخ آلية حوار الحضارات. وإن الهدف الأساسي من ذلك هو: 1- إقامة جسور التفاهم بين الأمم والشعوب، كما دعا إليها القرآن الكريم.. قال تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}. 2- بلوغ مستوى لائق من التعايش الحضاري رغم اختلاف الثقافات.. ولكي يحقق هذا الهدف، فهناك أسس تكون نقطة بداية لترسيخ هذه الآلية وهي: 1- أن نكون مرآة تعكس الذات الحقيقة (فهم الذات أولاً). 2- أن نكون نافذة مفتحة على الآخر.. أي الاعتراف بوجوده واحترام خصوصيته التي لا يجوز أن نسعى إلى تغييرها، واحترام مقوماته والمحافظة عليها وأحقية توارثها.. وهذه من المبادئ التي تحكم هذا الحوار ويتوقف ذلك على مدى تفاعلها مع معطيات الحضارات الأخرى والتسليم بأن الحضارة الإنسانية هي نتيجة تداخل هذه الحضارات لا صراعها. 3- تحقيق معنى التبادل الحضاري بحيث يكون لكل طرف رأيه المستقل. وتعرف أبناء كل منهما على الآخر. 4- التنمية الثقافية واستمرار التجدد باستخدام جميع وسائل النمو والرقي لهذا الحوار. وهذا لا يتم بالتواصل مرة أو أكثر.. بل يحتاج إلى تواصل مستمر ليشمل جميع جوانب الحياة المختلفة. 5- التمييز بين ما هو مشترك إنساني وبين ما هو خصوصي حضاري لأي مجتمع. وهذا هو مبدأ الحضارة الإسلامية التي ترفض أن يحكم العالم حضارة واحدة مهيمنة في الأنماط الحضارية الأخرى.. والإسلام يريد أن تتساند هذه الحضارات في كل ما هو مشترك إنساني يقوم بتيسير تعايش الناس في مجتمعات على الرغم من اختلاف الشعائر والملل. وإن من معوقات نجاح ترسيخ (حوار الحضارات) هو: أ- الانعزال والانغلاق على الذات لا سيما في عصر التطور التكنولوجي. ب- عدم استبعاد موضوعات العلاقات السياسية والاقتصادية والاختلاف الديني. ت- أن يكون هدف الحوار الحضاري هو خضوع الناس لأسلوب واحد في الحياة والقضاء على غيرها. ث- أن يكون الهدف هو (العولمة) التي لا تحترم الخصوصية الثقافية وتغيير التشريعات والعلاقات وتحويلها إلى تابعة لحضارة مسيطرة.