تجريم العنصرية والتعصب سيخدم وحدة المجتمع وتماسكه أجمع مختصون على أهمية غرس مفهوم الحوار وتقبل الآخر وأن يبدأ ذلك في مرحلة مبكرة، ضمن منهاج دراسي متدرج يوافق المرحلة العمرية ويضمن نشوء جيل يؤمن بالمختلف فكراً وثقافة فلا يبعده أو يقصيه أو يتهمه بل يتقبله كما هو ويلتقي معه بالمشتركات وفي مقدمتها الوطن. التصنيف أخطر مهددات السِّلم الاجتماعي.. وتنوع المجتمع قوة ودعم للوحدة الوطنية مشددين على خطورة الفكر السائد بأن التصنيفات الفكرية جزء من الدين فهذا ليبرالي والآخر جامي والثالث إخواني وهذا صوفي وذاك سلفي وغير ذلك من التسميات التي تفت عضد اللحمة وتستهدف الوحدة التي أرساها الملك المؤسس- رحمه الله - والتي جمعت الشتات وألفت بين القلوب فكان الجميع إخواناً متحابين. وأكد المختصون أن التصنيفات تنشط مع الأحداث، وتتحول إلى التضاد مما ينتج عدم توازن بين الأطراف التي تظل في حالة من التأزم وهذا بلا شك يتطلب دراية ومعرفة في تحويل ثقافة الحوار إلى فكر وممارسة. تنوع المجتمع قوة ودعم للوحدة الوطنية ورفض د. خالد بن عبدالعزيز الوسيدي - باحث مختص في التربية- لغة المشاحنات والتعصبات الفكرية المؤدية للانقسام والاختلاف، مؤكدًا أن بلادنا بفضل الله عز وجل مجتمع متنوع، وهذا التنوع بلا شك عنصر قوة ودعم للوحدة الوطنية التي هي مطلب الجميع، وأن كل ما يعزز تنامي لحمتها مطلوب ومرغوب وكل ما يهددها مرفوض، كما أن الحراك الثقافي والفكري هو ظاهرة صحية وانعكاس لثراء وتنوع مكوناته طالما أنه محكوم بالضوابط الأخلاقية الدينية والوطنية التي تحترم التنوع ولا تنتقص من آراء وأفكار أي مواطن أو مواطنة، داعيا الأسرة والمجتمع والإعلام إلى الرقي بلغة الحوار والبعد عن التراشق والتهم بين مختلف الأطياف، وتجريم كل من يعزز لغة الكراهية والعنصرية والتعدي على الغير، ويحاول إقصاء المختلف من المشهد الوطني الحاضن للجميع، كما شدد على أهمية إعلاء قيم التسامح والوسطية والاعتدال وتمكين أدب الاختلاف وإقامة حملات توعوية على مدار العام تنشر ثقافة الحوار الإيجابي لاسيما في المدارس وملتقيات الأحياء. وفرق الوسيدي بين الحوار النافع والجدل المقيت فالأخير لَم نؤمَر به في القرآن الكريم ولا في السُّنة النبوية المطهرة وإنما أُمِرنا فقط بالمحاورة بالتي هي أحسن (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَن )، والتي هدَفُها: إيصال الحق إلى الخلْق، والابتعاد عن الجدال والمِراء الذي نهانا عنه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم، مشيراً إلى جملة من الآداب التي يجب أن يتسم بها الحوار وفي مقدمتها الابتعاد عن التعصب للفكرة، واستخدام الألفاظ الحسنة، والحجج الصحيحة، والاستناد على الدليل الواضح، والابتعاد عن التناقض، والتواضع والإصغاء وحسن الاستماع، والأهم ألا يكون الهدف هو الانتصار للنفس بل الوصول للحق. التصنيف أخطر المهددات من جانبه قال عبدالله الجميلي - أكاديمي وإعلامي- : إن الاختلافات الفكرية إذا لم تصِل إلى ساحَة المُسَلّمَات من الدِّين ظاهرة صحية وهي من لوازم المجتمعات الإنسانية ذات المفاهيم والمنطلقات المتعددة، وتلك الاختلافات في الرؤى تبقى في دائرة المعقول إذا لم تصل لمحطة التصنيفات الفكرية التي تعتبر بحقّ من أخطر مُهَدِّدات السِّلْم الاجتماعي في عصرنا الحاضر، فهي مِعْوَل هدم من شأنه أن يقسم الوطن إلى تيارات وأيدلوجيات متناحرة لا هَمّ لها إلا التعصب لرأيها أو مذهبها وإقصاء وإسقاط الآخر، ومحاولة النيل منه، وضَربه بسوط الاتهامات لهذا الطرف أو ذاك، وربما تجاوز هذا التصنيف كل الحدود واتهم عباد الله ظلماً وبهتاناً بالكُفْر والعَمَالَة لقُوَى خارجية، والخيانة للدّين والوطن، في محاولات جادة لاستعداء السُّلُطَات والناس ضد المُخَالِف من خلال كَيْل تلك الاتهامات والتصنيفات الباطلة! وأضاف إن أعداء الوطن يستغلون التصنيفات الفكرية ويوقدون نارها بغية الوصول لمرحلة قطع العلاقات الاجتماعية، وتقسيم المجتمع إلى فئات متصارعة تبحر في صراعها إلى ما هو أبعد من الخلاف الفكري! وأشار الجميلي إلى أن من أهم أسباب بروز ظاهرة التصنيفات: انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المنتديات والصحف الإلكترونية التي أصبحت ميداناً خصباً لا يمكن السيطرة عليه لزرع بذور التصنيفات وتوزيع الاتهامات! واضاف أيضاً هناك قلة من الأماكن أو المنابر التي يتم فيها الحوار الهادئ والنقاشات الهادفة للوصول لنقطة اتفاق لا اختلاف بين معتنقي أو مؤيدي الأفكار المختلفة، لافتا بأن مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني قام بهذه المهمة اذ نظم دورات سابقة حيث جمع أطياف المجتمع المتعددة على طاولة النقاش المثمر الذي يجمع ولا يفرق، ولكن حوارات المركز بعد ذلك توسع مسارها لتشمل القضايا الخَدَمِيّة. وأوضح بأن من أسباب بروز ظاهرة التصنيفات في مجتمعنا التّعَصب المذهبي والمناطقي وأحياناً القَبَلِي الذي يضرب أطنابه في المجتمع، ومن وسائله رَمْي خصومه بسهام التصنيفات الفكرية، مشدداً على أن التصنيف الفكري بالغ الخطورة في ظل حاضر ومحيط جغرافي يموج بالصراعات والفِتَن من حولنا؛ ولذا لابد من المسارعة في علاجه والحَدّ منه أو من تأثيره، ولعل من أهم وسائل ذلك: إصدار تشريعات واضحة معلنة تُجَرّم وتعاقب مَن يمارسه، والأهم تطبيق تلك التشريعات والتشهير بالمعاقبين على الملأ فالتشهير أراه من أنجح وسائل المعالجة، وكذلك من خطوات القضاء على التصنيفات الفكرية أن تستشعر منابر المساجد ووسائل الإعلام المختلفة خطورتها برفضها أيَّ صوت أو كتاب أو مقالة تسعى للتصنيف مقدمة بذلك المصلحة الوطنية على بحثها عن الإثارة والضجيج الإعلامي. وأضاف الجميلي وفي هذا الجانب يقع دور رئيس على النّخَب من علماء ومثقفين وكُتّاب في أن يسعوا بما يتاح لهم من وسائل للتحذير من خطورة التصنيفات والانقسامات الفكرية التي تخرج عن المَسَار، وقبل ذلك أن يكونوا قدوة حسنة في اختلافاتهم وطرح آرائهم وفق المناهج السليمة في الحوار البناء. الغمز واللمز وشدد أ.د. غازي المطيري-أستاذ بالجامعة الإسلامية- على أنه حين تفلس العقول من الأفكار والمبادرات الإبداعية، لا تجد سوى الانكفاء على التثريب والغمز واللمز، على المتميزين والمؤثرين، وابتليت الأمة المسلمة منذ عقود وعلى وجه الخصوص النخب المثقفة، والتي يفترض أن تكون أوسع أفقاً، وأرحب صدراً، وأخصب خيالاً، وأقدر الشرائح على تفهم الوجهات الأخرى، وأكثر استعدادًا للدخول في إجراء حوار ونقاش بناء، بيد أن الواقع يشي إلى وجود صراع، استخدم فيه التصنيف سلاحاً فتاكاً، لتصفية الخصوم وإسقاطهم من خلال إطلاق ألقاب سيئة، وأوصاف سلبية من أجل الإجهاز على الخصم، مما أوغر الصدور بالعدوات، وظهور "جبهات التحزب" المضادة، وتشجيع الانقسام والفرقة في المجتمع الواحد. وأضاف: لقد انتقل التصنيف بالعدوى والتأثير، إلى المجتمعات الأخرى، بسراية الإعجاب والتقليد، لهذا الرمز، أو ذاك، وقد تفطنت الدوائر المعادية، التي ترصد حركة المجتمعات الإسلامية، فنفخت في كير التصنيف، واخترقت البنية الفكرية، والدعوية، والأدبية، الثقافية بعدد لا يحصى من الوسائل والأساليب، مما ساق إلى صيرورة الصراع المتأزم، الذي غدا فيه كل داع إلى الإصلاح وجمع الكلمة، محل شبهة وإدانة وتشكيك، ولا مندوحة أمام هذا الواقع المأسوف عليه، سوى سن العقوبات الرادعة، والإيعاز إلى المحاكم بسماع تلك الدعاوي، وسرعة البت فيها، إضافة إلى حث العلماء، والأدباء، والدعاة إلى توجيه المجتمع، وخاصة المبتدئين من الكتبة، والمتأدبين، وصغار طلبة العلم، ولا يعني ذلك الوقوف أمام حركة النقد العلمي، المصطبغ بالأدب الجم، الذي يعد شرطاً في النهضات الجادة، وهذا يستلزم من النخب، التجرد، والإنصاف، والخلوص من أوضار النفس الجموح، وإبراز القدوات الصالحة، وإن الوقت لم يعد في صالحنا، وإن التصنيف يبدو في تزايد، مهدداً الوحدة، والمصالح العليا، ويعتبر بكل المقاييس انتحارا فكريا ودعويا. رفض الآخر موجود من جهته أوضح د. حسن ثاني -أستاذ علم النفس المشارك بجامعة طيبة- بأن المصنِّف مريض نفسيا يعاني من ارتفاع "الأنا العليا"، ولديه مبدأ بأنه الأفضل وغيره الأقل، يدعي بأنه من محور الخير وغيره من محور الشر، أو أنه "التقي" وحده وغيره من "حزب الشيطان"، ومن ابتلي بهذا الداء لا يمكن له أن يتقبل الآخر أو يتعايش معه. وأضاف إن رفض الآخر وتوزيع الألقاب نوع من التنابز بالألقاب المنهي عنه بالقرآن الكريم (وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ) وهو موجود حتى عند من يدعي الوسطية، فالوسطية الحق أن نلتقي كمختلفين في منتصف الطريق لا أن أعتقد ما تؤمن به، ولكل واحد منا أن يمارس شعائره بحرية (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). وقال د. ثاني: التصنيف والتطرف الفكري يعالج بغرس ثقافة تقبل الآخر والتعايش دون لزوم الإيمان بالمعتقد (وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) وليس "لتحاربوا"، مشدداً على أهمية تطوير البيئة المدرسية والأسرية والوصول بالمجتمع إلى حد النضج الثقافي والفكري. شبكات التواصل المتهم الأول وأكد عبدالحميد بن عبدالله الجهني -مشرف تربوي- أن شبكات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الهاتفية أصبحت مغذياً رئيسياً لظاهرة التصنيف التي تؤدي إلى التحزبات والتنافر بين أفراد المجتمع الواحد، فقد وصل الحال بالبعض إلى الطعن في النوايا والاتهام في الغايات والمقاصد مما يدفع نحو مراجعة جادة لخطابنا الثقافي ومن يقف وراء التصنيف المقيت، بعد أن تحولت ساحات العالم الافتراضي إلى سجال فكري وحرب شعواء تكشف عن شحن عدائي تجاه الأفكار أو الأشخاص أو الجماعات، وهذا يستوجب سن قوانين صارمة لمن يسعى لتفكيك المجتمع وإلقائنا جميعاً في مغبة التيه، داعياً إلى تعزيز الوحدة الوطنية في إطار التنوع الثقافي في المجتمع السعودي والبعد عن الطائفية والمذهبية وإلقاء التهم جزافاً حرصاً على السلم الاجتماعي والنسيج الوطني، مؤكداً أن هذه الظاهرة باتت واقعاً لا يمكن إنكاره أو التغافل عنه وهي بحاجة لمزيد من البحث والاستقصاء لتكريس مفهوم الاختلاف كثقافة لا تهدف إلى إقصاء المختلف بل قبوله ضمن حراك ثقافي عام يغلب عليه حسن الظن والإيمان العميق بالوطن والولاء لقيادته الحكيمة. وقال الجهني: إن الاختلاف من الآيات والسنن الكونية العظيمة، قال تعالى: (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين)، ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في قبول المختلف والتعايش معه دون المساس بحقوقه ومن ذلك معايشته لليهود في المدينة بكل سلام ومعاملتهم بأخلاقيات الإسلام حيث كان يزور مرضاهم ويتحمل إساءتهم ويقوم لجنازة أحدهم، فقد روي أن النبي صلي الله عليه وسلم مرت عليه جنازة يهودي فقام لها فقيل له يا رسول الله إنها جنازة يهودي فقال النبي:( أليست نفسا؟)، ليضع بذلك أهم الآداب والسنن للتعايش مع المختلف. لا يوجد قانون يجرم التصنيف وقال د. عمر الخولي -أستاذ القانون بجامعة الملك عبدالعزيز سابقا-: لا يوجد قانون واضح يجرم تصنيف الأفراد وتوجهاتهم ما لم ينطو ذلك على إهانة أو تحقير، فاليوم عجت الساحة على صعيد التصنيف الفكري بمسميات مختلفة "سروري، جامي، سلفي.."، وهي تسميات أصبحت دارجة، ومتناقلة دون أن توحي للسامع بجرم واضح مع أن لها أحيانا دلالة غير مقبولة، عداً تسمية "داعش" التي تعد إهانة وتحقيراً غير مقبول يعاقب قائلها تعزيرًا لدى المحكمة الجزائية، أما فتح المجال لمقاضاة كل من يصنف فهو أمر صعب جداً، ومتشعب لا يمكن احتواؤه سوى بالتوعية، فالدارج اليوم مثلاً: أن السروري والجامي مختلفان - كما يصنفان - ما بين مفرط ومغرق، وهذا الملف شائك وخطر وفتحه يستوجب تجريم كل مسلك وكل لفظ، فسياسة التجريم والعقاب لا تقوم على مجرد اللفظ كمن يقول للآخر: أنت لست قبيلي، أو طرش بحر، أو حضري، أو خط 110.. فتجريم اللفظ يشرع الباب أمام ألفاظ كثيرة جداً ستجعل المحاكم تعج بالشكاوى التي تشغلها عما هو أهم، داعياً إلى أن تعالج هذه الظاهرة السيئة مجتمعياً بالتثقيف والتوعية، ونظامياً من خلال تدوين تقارير ضد المحقِّر والمصنِّف تحول بينه وبين تبوئه منصب عال أو قيادي، لأنه بالتأكيد سيكون صاحب قرارات مضرة وغير منصفة تظلم من يكون تحت إدارته، وهذا سيدفع كل من يسعى لمنصب بأن يكون حذراً في كلامه وتصرفاته. د. خالد الوسيدي عبدالله الجميلي غازي المطيري د. عمر الخولي حسن ثاني عبدالحميد الجهني مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني أدى جهوداً في مكافحة التعصب والطائفية وسائل التواصل تسهم في تاجيج التعصب حماية المجتمع من مخاطر التعصب أصبحت واجبة الآن