السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فقد طالعت في عددكم الصادر يوم الجمعة تاريخ 9- 10-1426ه مقالاً بعنوان (المسكنات.. سم في علبة دواء) كتبه الأستاذ سلمان بن محمد العُمري، وقد شدني الموضوع لأهميته من ناحية وبحكم التخصص من ناحية أخرى، وعندما تصفحته وجدت أنني أثق معه في المؤدى وأختلف معه في الطريقة، وإنه لجميل حقاً أن يشارك الكتاب والمثقفون والإعلاميون على حد سواء بالإسهام في التوعية والثقافة الصحية شريطة استقصاء المعلومة الطبية الصحيحة من ذوي الاختصاص. وأعود هنا إلى الموضوع الهام للأخ العمري، فإنني إذ أدلي بدلوي فذلك لأهمية الموضوع وحساسيته ووفق رؤية علمية طبية عن تلك التقنية المنتشرة في المجتمع السعودي خصوصاً وفي المجتمعات الأخرى عموماً، وبالطبع فإنه يمكن تناول المسكنات عند وجود صداع عارض أو ألم في الذراع بعد رض بسيط أو في حال وجود نزلة برد بسيطة، وإن كان من الأفضل مراجعة الطبيب من أجل أخذ المشورة الطبية والاطمئنان، إلا أنه لا يجوز المضي لأبعد من ذلك بحيث يصبح الإدمان على تناول المسكنات هو القاعدة الشيء الذي يؤدي إلى ظهور الآثار الجانبية لهذه الأدوية من ناحية وإلى إهمال مرض قد يكون مهماً من ناحية أخرى. فالألم كما ذكر الأخ سلمان قد يكون إنذاراً أو عرضاً يخفي وراءه مرضاً قد يكون مهدداً للحياة، وإن زوال الألم لا يعني شفاء المرض بل يعني إخفاءه واستفحاله بحيث يصبح غير قابل للولوج أو الاستئصال مثل حالات الصداع الناتجة عن ورم في الدماغ، وعلى ذلك فإنه لا يجوز الاستمرار في تناول المسكن في حال استمرار الألم، ولا بد من أخذ رأي الطبيب لكشف العلة والسبب. ومن ناحية أخرى فإن الاستمرار على تناول المسكنات يمكن أن يهدد صحة الإنسان لما لهذه الأدوية من آثار جانبية تختلف في تأثيرها على العديد من أجهزة الجسم، فالباراسيتامول (بانا دول) يمكن أن يسبب أزمة كبدية إذا أخذ بجرعة زائدة، قد لا يظهر تأثيرها إلا بعد عدة أيام من تناوله، رغم أنه يعتبر من أسلم أنواع المسكنات باعتبار أن تأثيره المخرش على المعدة ضئيل، وأما الإسبرين وهو معروف أيضا من قبل الجميع فإنه بالإضافة إلى تأثيراته الجانبية الكثيرة فإنه يمكن أن يتداخل مع أدوية أخرى مثل الأدوية المسيلة للدم (الوارنارين) ويجب وصفه بحذر أو تجنبه عند المصابين بالربو الشعبي والفشل الكلوي والكبدي، وفي حالة الحمل ونقص خميرة g6pd ولا يعطى للأطفال تحت عمر 12 سنة وللمصابين بتقرح المعدة والأمعاء ومرضى الناعور، والأشخاص المعروفين بحساسيتهم له، وأما بالنسبة للآثار الجانبية للإسبرين فأهمها هي التخريش المعدي المعوي وزيادة سيولة الدم، والتشنج الشعبي والتحسس الجلدي، وأحياناً وبشكل نادر صدمة تحسسية شديدة. ومن الأدوية التي أصبحت تستخدم بشكل عشوائي غير البارسيتامول والإسبرين هي مسكنات المفاصل والعضلات وتسمى مضادات الالتهاب غير السيتروئيدية، وهي كثيرة وتشبه في تأثيرها ومحاذيرها وآثارها الجانبية الإسبرين، ونذكر منها على سبيل المثال ايبورفين وبيروكسيكام وديكوفيناك وغيرها، ومن آثارها الجانبية بالإضافة إلى التي ذكرت سابقاً بالنسبة للإسبرين الغثيان والإسهال والتهاب الكلية الخلالي المزمن وتنخر حليمات الكلية، وتظهر هذه الآثار الكلوية عند الاستخدام المزمن لهذه الأدوية، وقد تؤدي إلى حدوث التهابات كلوية وانسداد في المسالك البولية، وفي النهاية غلى احتمال الفشل الكلوي. إنني أتفق والأخ العمري في طرقه لمثل هذا الموضوع المهم وفي ضرورة وضع حد لفوضوية استخدام الدواء عموماً والمسكنات خصوصاً، من خلال نشر التوعية والثقافة الصحية والتعريف بأضرار هذه الأدوية وآثارها المدمرة على المدى البعيد، وتحديد صرفها إلا من خلال الصيدليات وبوصفة طبية مع استثناء الباراسيتامول الذي يعتبر سليما نسبياً من أجل استخدامه في حالات الألم البسيط العابر غير المتكرر. وفي الختام لا يسعني إلا أن أشكر لجريدة الجزيرة إسهامها في نشر الثقافة الطبية لدى القراء، وأحيي الأخ الأستاذ سلمان بن محمد العُمري طرقه لمثل هذا الموضوع الهام. د. محمد طه شمس باشا/أخصائي الأمراض الباطنية