قديماً قالوا: (كثرة العتاب تنفر الأصحاب)، ولعل ذلك القول يصدق مع حالات العتاب التي تكون غير رقيقة أو غير مهذبة، فليس المقصود بالعتاب هو إلقاء اللوم وكيل الذم وكثرة التوبيخ. فالعتاب بين الأصدقاء هو أرقى من ذلك وأرفع وهدفه إزالة ما في النفوس من شوائب، وإزاحة ما يعلق بها من مشكلات تعكر صفو الصداقة، وتكدر مناخ الأخوة والتفاهم، فهو مد للجسور وتوطيد للعلاقة وتأكيد للرغبة في تنمية الصداقة. والعتاب الرقيق الهادف لإزالة الغشاوات عن الصداقة خير من تلك الصداقات التي يحيطها الخداع أو يتسلل إليها الغش الذي ربما ينقلب بعد ذلك إلى أحقاد وضغائن فتتحول صداقات الأمس إلى عداوات اليوم وكأن شيئاً لم يحدث، ثم يبدأ كل صديق في التمادي في عداوته للآخر، وهنا تنقلب الدنيا فيما بينهما وتتعمق العداوة، وتتكون النماذج السيئة التي يضعها بعض الناس أمامهم متهمين الأيام، وعائبين على الأزمان ولكنهم ينسون أن العيب لم يكن أبداً ليبتعد عنهم، حينما ابتعدوا هم عن العتاب الرقيق، فإذا بهم ينتقدون الصديق تلو الصديق. وإذا كان أسلوب العتاب قد ينفر أحياناً لقسوته وصراحته وغلظته، إلا أنه سيظل أفضل من الأحقاد التي تتولد من القطيعة وإساءة الظن، وإشعال نيران الحسد بين الأصدقاء مما يجعلنا في حاجة إلى وقفة نتأمل فيها ما ينبغي أن يكون عليه حال الصديق مع صديقه، إذا أردنا لصداقاتنا أن تستمر في الحياة، ومن أهم السبل في ذلك تصفية الشوائب بالعتاب الرقيق وأن نضع في الحسبان قول القائل: إذا كنت في كل الأمور معاتباً صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه