أُتيحت لي الفرصة أن أحضر مجلس صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض مع المواطنين، للنظر في شكاويهم وتظلُّماتهم وطلباتهم. وحيث إننى أول مرة أحضر مجلس الأمير سلمان مع المواطنين في قصر الحكم بالرياض، فقد نسيت موضوعي الذي جئت من أجله، وبقيت أراقب الأمير سلمان وأسلوبه في الإدارة والخطاب مع المواطنين. وأول ما شدّ انتباهي هو أنّه بالرغم من اتساع المجلس وكثرة المقاعد الوثيرة التي كان المواطنون يجلسون عليها لانتظار أدوارهم، كان الأمير سلمان يجلس في صدر المجلس على كرسي صغير ذكّرني بكراسي الدراسة، يقرأ الخطابات ويتحاور مع المراجعين ويسألهم ويسألونه ويصدر التوجيهات دون كلل أو ملل. كانت الموضوعات المعروضة على الأمير سلمان كثيرة وكبيرة ومتنوعة وأحياناً خطيرة وأحياناً أخرى طريفة. لذا سوف أعرج على مسألتين من المسائل التي عُرضت على الأمير خلال وجودي في المجلس. فالأولى تخص أحد المواطنين وقد حُكم عليه في أحد القضايا المتعلِّقة بأمور مالية - حسب ما فهمت - وكان المواطن يريد أن يتدخّل الأمير سلمان في الموضوع لأنّه يرى أنّ الحكم الشرعي كان قاسياً، حيث إنّه قد قهر في ماله. وبينما الأمير يقلِّب أوراق ذلك المواطن كانت إجابة الأمير بأنّ هذا حكم شرعي ولا أستطيع أن أعمل شيئاً تجاهه، حيث إنّ من مهامي أن أنفِّذ الأحكام الشرعية. فقال المواطن: إنني جئت لسلمان بن عبد العزيز وليس لشخص عادي وكنت أتوقّع مساعدة، ورفع صوته حيث خاطب الحضور بأنّه مقهور في ماله وترك المجلس. وبينما هو يخرج إذا بالأمير يدعوه باسمه، فرجع المواطن إلى الأمير، فقال له الأمير: هل جرى تمييز الحكم؟ فقال: نعم. فقال الأمير: هل صادق عليه مجلس القضاء الأعلى؟، فقال: نعم: فقال الأمير: هل تعتقد أنّ هؤلاء كلّهم مخطئون؟. أمّا المسألة الثانية - حسب ما فهمت - فإنّها تخص أحد المواطنين الذين يتخذون الحيلة والتلاعب أسلوباً للتعامل مع الناس. وكانت المعاملة التي بين يديْ الأمير تحث الأمير أن ينظر في حال ذلك الرجل ويقدِّر ظروفه، حيث إنّه لم يحضر المجلس كما ظهر لي. فكان رد الأمير لا تنقصه الصراحة والفكاهة تجاه تلك المسألة، حيث قال الأمير مخاطباً المجلس: يا جماعة ماذا أعمل لإنسان نصّاب ومحتال؟ .. إنسان ينصب ويحتال على المواطنين ويريد أن أقدِّر ظروفه، كيف يحدث هذا؟. لا أخفيكم سراً بأنني كنت منبهراً بمهارات الأمير سلمان في التعامل مع القضايا المعروضة عليه. كما كنت مشدوداً بأسلوب الأمير في اتخاذ القرارات التي تجسِّد الخبرة والحكمة والدراية في إدارة الناس حتى أنني سرحت عن الموضوع الذي جئت من أجله ولم أتنبّه حتى نادي الأمير سلمان بن عبد العزيز باسمي .. إنّه سلمان بن عبد العزيز رجل المهمات الصعبة ورجل الدولة الذي لا تجود بمثله الأيام، وصاحب الحضور الدائم في كلِّ المواقف. كنت معجباً بالأمير سلمان بن عبد العزيز من خلال متابعتي لأعماله في وسائل الإعلام المختلفة، لكن ذلك الإعجاب تحوّل إلى مَثَل يمكن أن يحتذى في الأداء والتعامل والجد والنشاط. لقد خرجت من مجلس الأمير سلمان وكنت أتمنى أن الدور لم يصلني بعد، أو أنّ أوراقي لم تُعرض على الأمير في ذلك اليوم، كي أرجع لأحضر ذلك المجلس مرة أخرى. وأصدقكم القول بأنني لن أتردّد في البقاء في المجلس مع المواطنين بعد عرض أوراقي على الأمير سلمان لو أنّ مثل هذا السلوك يمكن أن يكون مقبولاً، والسبب في ذلك شخصية الأمير سلمان المميّزة والتي تأسر المشاعر والعواطف والقلوب. إنّ الأمير سلمان أمير بالوراثة، حيث إنّه ابن الملك عبد العزيز - رحمه الله - الذي أسّس ووحَّد المملكة العربية السعودية على الكتاب والسنّة .. كما أنّه أمير بالاكتساب حيث حباه الله بشخصية تمتلك من القدرات والمهارات ما تجعل الإنسان ينبهر ويندهش بهذه الشخصية .. إنّ العبارات التي يمكن أن أسطِّرها في هذا المقام قد لا تفي بما يجول في خاطري ويعطي الأمير ما يستحقه من الوصف، لكن كلّ ما أستطيع قوله: هنيئاً لهذا البلد بهذا الأمير، وهنيئاً لهذا الأمير بهذا البلد، وهنيئاً لنا بهذا البلد وهذا الأمير. والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.