مرت على مجتمعنا (عقود) شهدت غياباً واضحاً لمظاهر الفرح والاحتفالية، مع هروب جماعي في الإجازات للأسر المقتدرة على الاحتفال والفرح إلى خارج الحدود، لتبتعد عن القيود الاجتماعية المليئة بالتناقضات البعيدة عن المنطق ولغة العصر!. المفارقة أن ما يقوم به البعض خارج الحدود يختلف بشكلٍ كبيرٍ مع ما يدعو له بحماسٍ داخل الحدود، في حالة تناقض هي أكثر ما يميز (خصوصيتنا) التي تتحدث عنها! ومن التناقضات التي تُقال عادة في هذا السياق: دعوة بعض المسؤولين للسياحة في بلادنا وهو في أحد دول أوروبا، وهذا صنفٌ قليلٌ من المسؤولين بطبيعة الحال، فالصنف الأكبر يُدرك أهمية إشاعة ثقافة الفرح والاحتفال وحب الحياة في المجتمع ويرغب في ذلك، ولكنه يُدرك أن قوى في المجتمع لها التأثير الأكبر واليد الطولى في تقييم و(تقويم) ما ينبغي أن يقوم به المسؤولون من تغيير، وبالتالي بقي مجتمعنا لعقودٍ بعيداً عن تلك الثقافة. ولن أربط تلك التناقضات والمزايدات والانغلاق بتهمة الإرهاب التي أصبحت تلازم السعوديين في كل السفارات والمطارات! فذلك مشهد آخر أعترفُ بأنني لا أملك القدرة على محاولة الاقتراب منه لتشريحه وتحليله!!. يهمني في هذه المقالة أن أشيد بالتحول الذي طرأ على مجتمعنا في السنوات الأخيرة حيث بدأ يتغير نحو (تقبل) أن يفرح! ويمارس الترفيه واللهو البريء، وذلك بسبب مؤثرات اقتصادية وفكرية وإعلامية معينة. ومن مظاهر هذا التحول الإيجابي تنظيم أمانة مدينة الرياض والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض لاحتفالات عيد الفطر لهذا العام كخطوة متميزة تستحق من حيث المبدأ تشجيع وتفاعل المستنيرين بسبب مساهمتها في انتشار ثقافة الترفيه، وذلك منا جميعاً - فنانين ومسؤولين ومثقفين وإعلاميين وأسراً - لا يمكن للاحتفالات النجاح دون حضورها وتجاوبها مع متطلبات التنظيم المختلفة. ويجب على المجتمع بكافة فعالياته المحبة للحياة وللترفيه داخل الوطن وبخاصة الهيئة العليا للسياحة ان تقول نعم للحياة والترفيه من خلال دعم تلك الاحتفالات وتشجيع إقامتها خلال عيد الفطر، وعيد الأضحى حيث لا يُوجد مبرر منطقي من عدم إقامتها خلاله بل تشجيع إقامتها في إجازة (الربيع) أيضاً، فإن أحتاج ذلك لتكاليف إضافية فإن الكثير من رجال الأعمال والشركات الوطنية قد أبدوا تعاوناً إيجابياً من حيث المساهمة في دعم تنظيم الاحتفالات. ويمكن استقطاب المزيد من رجال الأعمال لتوفير المزيد من الدعم، كما يمكن فرض رسوم على بعض الفعاليات المتميزة لضمان استمرارها وتطورها وتكرارها. نعم يجب على المجتمع بكافة فعالياته المحبة للحياة أن تساهم في أن تقول نعم للحياة ودعم تلك الاحتفالات، ولا للمزيد من تناقضات الانغلاق، التي تؤدي حتماً إلى مجتمع مشوه، تنفجر تشوهاته في الخارج، لتعطي صورة مخجلة لذلك المجتمع هي انعكاسٌ لواقع ذلك المجتمع. كما أن النجاح الكبير في تنظيم الفعاليات مع تعددها وتنوعها وتوزيعها في مواقع متعددة، وجهود أمانة مدينة الرياض في توفير الدعم (اللوجستي) اللازم لإنجاح الفعاليات من حيث النظافة ومواقف السيارات وترتيب الدخول والخروج.. إلخ وكذلك الوجود المكثّف والمنظم لرجال الأمن والوجود الهادئ لهيئة الأمر بالمعروف, يحتم علينا المزيد من التشجيع والتفاعل مع هذه الخطوة، التي تعتبر كبداية خطوة في غاية التميز. كان هناك جهد كبير بذل من كبار المسؤولين في الأمانة والبلديات وصغارهم، ومن منسوبي الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ومن الموضوعية تقديره والإشادة به ومن المصلحة تشجيعه ودعمه حتى يستمر ويتطور، وعلى رأس هؤلاء المسؤولين سمو أمين مدينة الرياض الذي أقترحُ عليه من منطلق حرصه الواضح على دعم وتطوير هذه الفعاليات، دراسة دفع مكافآت مجزية لجميع المساهمين في التنظيم وحتى لو تم توفير المبالغ اللازمة من خلال دفع رسوم معينة مقابل حضور بعض الفعاليات، وبالمناسبة فإن دفع الحضور لرسوم سوف تجعلهم أكثر تقديراً لقيمة المناسبة التي يحضرونها!! أما فيما يتعلق بتفاصيل الاحتفالات فأود التوقف عند قضية واحدة هي المسرح، الذي كان وسيظل القامة الفنية الشامخة نحو تطوير المجتمعات وزيادة وعي الشعوب، فإنني أشكر الممثلين الكبار أمثال محمد المفرح وعلي إبراهيم وغيرهما على المشاركة في الفعاليات، وأتمنى من النجوم الجماهيريين ناصر القصبي وعبد الله السدحان (المبادرة) بالبحث عن نصوص مسرحية تجعلهم أكثر نبضاً في حياتنا من مجرد عمل سنوي هو طاش ما طاش الذي بقدر ما نقدره لهم بقدر ما ندعوهم للمزيد. وهنا أعيد طرح أهمية فرض رسوم على بعض الفعاليات لاستقطاب النجوم وبخاصة في المسرح الذي غاب - مثل كثيرٍ من الأمور الجميلة - عن حياتنا في السنوات الأخيرة وبدأت أمانة مدينة الرياض مشكورة في إعادته ولكننا نريده أن يعود أكثر وهجاً وتألقاً، مع ضرورة مساهمة جمعية الثقافة والفنون في ازدهار المسرح وإلا فإن عليها في أسرع وقت ممكن إغلاق أبوابها!. كما أشير إلى أن سياحة الترفيه العائلية البريئة التي نسعى جميعاً لها تستوجب وجود الأسرة كاملة الأب والأم والأبناء، مع وضع الضوابط اللازمة لمنع التصرفات والتحرشات غير الأخلاقية ضد تلك الأسر. إن الهيئة العليا للسياحة ووزارة الثقافة والإعلام وبلديات المدن المخلصة والحريصة على القيام بدورهما الوطني والاجتماعي (وعلى رأسها أمانة العاصمة الرياض التي نجحت وتميزت خلال السنوات الأخيرة، وتفوقت على العديد من بلديات المدن الساحلية والمدن المؤهلة لاستقطاب السياحة الداخلية) عليها مسؤولية إعلامية وثقافية كبرى في تبيان وتوضيح أن من التلقائي والطبيعي في كل دول ومجتمعات العالم حضور الأسرة للمناسبات المختلفة وأن ذلك أفضل من ذهاب الشباب بمفردهم والبنات بمفردهن!. ختاماً، فقد كتبت هذه المقالة بعد أن قرأت مجموعة من الأخبار الصحفية على هامش احتفالات العيد عن حفل ترفيهي لأطفال مركز الملك فهد للأورام، والتخصصي ينظم حفلاً ترفيهياً للمنومين، وأيتام جمعية إنسان يعايدون مرضى مركز الأمير سلمان للكلى... إلخ. وأردت أن أقول شكراً لمن يسهمون في إعادة البسمة على وجوه المرضى وعلى مجتمعنا!