لقد رحل أخي وصديقي الأستاذ محمد السحيمي عن عمر يناهز الثلاثين عاماً في شهر كريم تبادلت معه تهانيه في بداية حلوله، فكانت مكالمة غريبة قبضت ما في داخلي بمشاعر انزعجت منها في لحظتها وقلت: لعلّها لحظات تمرُّ على الإنسان يحتاج فيها إلى أن يبدي بعض تلك المشاعر. قبل يومين من وفاته - رحمه الله - بادلني بمهاتفة أكدت لي بأنّ هنالك شيئاً غريباً .. ألححت عليه بالزيارة وقال لي بالحرف الواحد: لعلّنا نلتقى في دار الأبرار، مازحته أدبياً بقولي: هل تعبت من الدنيا؟ قال لي: إنّني أرجو الآخرة. أغلقت تلك المكالمة واستحوذ ذلك الشعور على تفكيري .. حاولت أن أتناسى، لكن هنالك شيئاً غريباً حدث لا أعلم ما هو؟ذهبت إلى والدي عصر يوم الجمعة 25-9-1426ه .. بادرني بتقديم تعزية .. تفاجأت منه حينما قال: عظم الله أجرك في زميلك محمد .. توقّفت لحظات رددت السؤال مرة واثنتين وأنا في ذهول، وكأنّ تلك المكالمة التي أثقلت مسامعي فيما مضى ذكّرتني من جديد، لقد رحل الأخ والصديق بعد أن أدى صلاة الفجر جماعة ولم يصح بعدها إلاّ في الصلاة عليه في المسجد النبوي الشريف في شهر رمضان الكريم.لقد ودّعنا أحد الشباب الذي بدأ مهتماً بالكتابة الأدبية والعشق الصحفي المبكر، وقد شهدت إبداعاته الكثير من الصحف والمجلات، ولن أنسى تلك الجرأة الصحفية وهو طالب في المرحلة الابتدائية بعد أن أجرى لقاءً مع مدير شرطة منطقة المدينةالمنورة سابقاً اللواء حمد العريفي، ونشرته مجلة ماجد، فقد كانت هذه الخطوة الأولى في دخوله العمل الصحفي واستمر في المشاركة الصحفية سنوات طويلة، وقد امتاز بالطرح الجاد والكلمة الأدبية المنتقاة، وبساطة الأسلوب، وقد تميَّز على أقرانه من الشباب بالثقافة وشفافية الحوار وقوة الطرح، أضف إلى أنّه كان يمتلك أفكاراً رائعة تستحق التقدير والاحترام.إنّ في وداع الشاب محمد عويض السحيمي نودِّع نموذجاً من النماذج الشابة التي نفخر بها، ونعتزُّ بما قدّمه من أعمال تُذكر وتُشكر.لقد ودّعنا ولا نملك له إلاّ الدعاء الصادق بأن يغفر الله له ويرحمه، وأن يجعل مثواه الجنة، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، وأن يحفظ ابنتيه الصغيرتين، ويجعلهما ذخراً لوالدتها.اللهم اغفر له وارحمه، وأكرم نزله ووسِّع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرَد، ونقِّه من الذنوب والخطايا كما يُنقَّى الثوب الأبيض من الدّنس .. اللهم أنزل على قبره الضياء والنور والبهجة والسرور، وجازه بالإحسان إحسانا وبالسيئات عفواً وغفراناً .. (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ). [email protected]