لم تكن الصداقة في يوم من الأيام لتستمر وتنمو في ظل غياب مشاعر المودة والإخلاص والوفاء، فالصداقات تبنى على هذه الأسس وتقوم عليها، ولذلك فإذا تأملنا ميدان الصداقات من حولنا وجدنا أن ما قام منها على أسس راسخة توطد ونما واستمر، أما غيرها فقد أصبح عرضة لهبات الرياح المتغيرة والمناخات المتقلبة في هذه الحياة. ومن أفضل الأسس وأرسخ العوامل لقيام الصداقات القوية السليمة أن تقوم بالدرجة الأولى على المحبة الخالصة في الله، كما وجهنا إلى ذلك رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في قوله: (أن يحب المرء لا يحبه إلا في الله)، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل، ولذلك فإذا أردت أن تشخص الداء في صداقات اليوم فإنك يجب أن تتأملها وتنظر إليها من هذا المقياس، والمتمثل في حظها من إخلاص الصداقة في الله، ومن هنا يمكنك الإجابة على كثير من التساؤلات حول السبب في عدم استمرارية صداقات كثيرة في عالمنا وفي حياتنا، بل والأسباب التي جعلتنا نسمع أن أصدقاء الأمس قد صاروا أعداء اليوم أو العكس. إنها المصلحة التي أصبحت المحرك والحافز، حتى إننا نسمعها صراحة مدوية تصف العالم من حولنا بأنه (عالم مصالح)، فإذا تعارضت المصالح اختلفت الأصدقاء، وإذا تقاربت أو تشابهت ترسخت العلاقات ونمت ما يطقلون عليه ظلما (الصداقات). وأمثال هذه الصداقات تنسينا ما كان يتردد على مسامعنا بين الحين والحين من أن (صديقك من صدقك، لا من صدقك)، بل وجعلت البعض ينسى أهمية النصيحة الخالدة القائلة: (سل عن الصديق قبل الطريق) بعد أن أصبح طريق المصلحة يعلو على ما سواه من طرق، بل ويعلو فوق المعاني العميقة للصداقة. ولذلك ألا تحتاج حياتنا إلى وقفة نتأمل فيها معنى الصداقة الحقيقية وواجباتنا نحو أصدقائنا إذا أردنا علاقات اجتماعية إيجابية وسليمة؟