يتعجب المرء من تصرفات البعض في هذا الشهر الكريم، من الإصرار على فعل المخالفات، من غير شعور برادع، ولا وازع ديني. تأملت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وأغلقت أبواب النار)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. يرتقب الناس في هذا الشهر المبارك بأن الخير سينتشر، وأنَّ الأخلاق الفاضلة ستكون ملؤها الهدوء والسكينة والطمأنينة، ويغلفها الشعور الإيماني وخلق الصائمين، ولكن يا للأسف خاب الظن من كثرة ما نرى، أفعال مشينة، وأخلاق غير سوية، وإن كانت هذه الأفعال ليست من إغواء الشياطين، فإنها من تلك النفس الأمارة بالسوء. كم تتألم النفس، ويتقطَّعُ القلب على شباب ضائع، غصَّت بهم الطرقات والأسواق، نعم، أوقاتٌ ضائعةٌ، وشبابٌ مُهدر، وعقول مقفلة لا تتقبَّل النفحات الإيمانية، والهبات الربانية، ومواسم الخير، وهدايا الجواد الكريم في شهر المغفرة، يصومون عن الطعام، ويغفلون عن كثير من المفطرات، والله عز وجل ليس بحاجة لأن يدع هؤلاء طعامهم وشرابهم. إن الصيام الحقيقي لا يكون بالصوم عن الطعام، بل صيام الجوارح عن الآثام، فتصوم العين عن رؤية الحرام، ويصوم اللسان عن ذكر الحرام، وتصوم الأذن عن سماع الحرام، فما كان محرماً في غير رمضان فهو في شهر رمضان آكدُ تحريماً، وهذه المعاصي تفسدُ أجر الفريضة، نسأل الله لهم الهداية والرشاد. إنَّ شهر رمضان بابٌ لسعادة الدارين، وفرصة من الله - عز وجل - للعودة إليه، وهجر المعاصي والآثام، شهرٌ فيه خيرٌ كثيرٌ، وأجر عظيم، ونفحات إلهية، والصائم له فرحتان.. وخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وفيه ليلة خير من ألف شهر من قامها إيماناً واحتساباً غفر له، وأوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار.. والأجر فيه مضاعف، وتفتح فيه أبواب الجنة، ويُزَيِّنُ الله في كل يوم جنته، ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يُلْقوا عنهُمُ المؤونةَ والأذى ثمَّ يصيروا إليك.. وتستغفرُ الملائكةُ للصائمين حتى يفطروا.. ولله في كل ليلة عتقاء من النار. ذلك كله من عند الكريم الوهَّاب، غافر الذنب وقابل التوب، ألا يستحقُّ منَّا الشكر! فأي تعيس يرفض ذلك! إنَّ الإنسان إذا أرخى الحبل لشهواته وغرائزه، سيطرت عليه، وتمادتْ في إسرافها وطغيانها، وأبعدته عن ربه ودينه، وإذا هذب الإنسان نفسه أشرقت فيها أنوار الإيمان، وحُب الطاعات، والعمل الصالح الرشيد. وكما قال الشاعر: والنفس كالطفل إن تهمله شبَّ على حُبِّ الرَّضاع، وإن تفطمه ينفطمِ فمن قاد نفسه فاز ونجا، ومن قادته نفسه خاب وخسر