(وطن).. كلمة تنساب إلى المسامع.. وهي تناجي الأفئدة.. عذبة في النطق.. فيها على اللسان رقة، وفيها على النفس ارتياح.. تبعث في النفس الطمأنينة أحاييناً وأخرى تؤجج فيها لواهب الحنين.. تلك هي تداعيات كلمة (وطن) وسيان كان نطقها وشكلها في كل اللغات واللهجات.. هذه تداعياتها على النفس البشرية.. ترى ما السر في هذا الكم من الأحاسيس والمشاعر التي تنداح عند ذكرها كما تنداح الموجات في الماء.. ولكل وطنه، والكل يقع تحت تأثير تلك المشاعر والأحاسيس عند ذكر الوطن.. أترى السر في مرابي الصباء ومراتع الطفولة، أم تراه في مجتمع الأسرة، أم في الحي بأهله وأزقته ومبانيه، أم في جو المدرسة زملاءً ومعلمين، أم في العادات والتقاليد المجتمعية، أم في الموروثات العقائدية والثقافية، أم تراه في كل هذه المكونات مجتمعة.. إخاله كل ذلك فضلاً عن شواهد الحاضر وتطلعات المستقبل. ثم هذا الإحساس الجميل بالوطن الذي يملأ القلب سعادةً والنفس ارتياحاً هل الشعور به نسبي فيما بين الشعوب..؟ الواقع يرجع ذلك فمتى ما عاش الإنسان حياة مطمئنة هادئة وسط مجتمع آمن في مكان معين كانت تلك المشاعر والأحاسيس أذكى.. ولهذا قد تخبو جذوتها لدى البعض ممن يعيش طريداً شريداً سيان لديه أيما أرض أقلته أو سماء أظلته يعيش ليومه غير مكترث بماضيه ولا عابئ بمستقبله. ومثلما أن لكل أسرة ربها، ولكل مجتمع أعيانه.. فإن لكل شعب قادته.. والحكم على نجاح القيادة لهذا الشعب أو ذاك إنما يؤسس على مدى نجاحهم في حماية الأوطان وتوحيدها لينعم الشعب بحياة آمنة في وطنه الذي شب وترعرع وشاب أجياله على أرضه. ونحن في المملكة العربية السعودية حبانا الله بنعم كثيرة أجزم أن من أهمها بعد نعمة الإيمان نعمة الوطن الآمن المطمئن، مهوى أفئدة المسلمين، وقبلتهم في صلواتهم، ومقصدهم في حجهم وعمرتهم، وأي وطن تجتمع فيه هذه الخصال غير هذا الوطن..! ولهذا فلا غرابة حينما نجد أن روح الانتماء لهذا الوطن لدى هذا الشعب أقوى وأشد.. كيف لا وهذا الوطن محل الفخار والافتخار حيث بيت الله، ومسجد رسوله، ومهد الرسالة. ويحدثنا التاريخ أن هذا الوطن لم يكن بمنأى عن الصراعات والنزاعات والحروب فلقد كان عليه نصيب منها زعزعة الأمن فيه وخلخلة الأمان عليه بل حتى أفسدت على الشعب دينه.. إلى أن قيض الله لهذا الوطن ولهذا الشعب هذه الأسرة الكريمة (آل سعود) التي نذرت نفسها ونفيسها، وبذلت أرواح أبنائها في سبيل وحدة الوطن عبر تاريخ طويل، لم تيأس خلال أمر أيامه، ولم تطغى خلال أحلاها، كابدت ونافحت من أجل حماية الأرض، ولم الشمل، ونشر الدين توحيداً لهذا الوطن.. وما مآثر المؤسس المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - عنا ببعيد.. فلقد سجل له التاريخ عصاميته ووطنيته في سبيل توحيد هذا الوطن الذي كان أثراً بعد عين.. فحق له أن يفخر، وحق لنا أن نفاخر به مؤسساً وموحداً لهذا الكيان العظيم.. ولكي ندرك حجم التضحية وعظمة الإنجاز فلنتصور حال هذه الأقاليم لو لم يوحدها المؤسس.. كأني بها وقد نالت منها الأحداث، ومزقها الاستعمار، وتناهشتها الأمم.. ولكنها مشيئة الله أبت إلا أن تتحد وطناً مقدساً يضم أطهر البقاع ديناً وعقيدةً، وأغناها رجالاً ومالاً.. فيها يُطبق شرع الله، وإليها تهفو الأفئدة.. وأي وطن أقدس من هذا الوطن. ولهذا فإنه لا بد من ترسيخ مفاهيم الانتماء الوطني في أذهان الأجيال بكل الوسائل.. من مناهج تعليمية وبرامج إعلامية.. وغيرها كي يتحقق القدر الأمثل في الانتماء الوطني لهذا الوطن الغالي.. ولقد أحسنت الدولة صنعاً حينما جعلت من اليوم الوطني يوم إجازة لجميع موظفي الدولة وطلاب المدارس والمعاهد والجامعات.. لقد كانت هذه لفتة حسنة في مسيرة إذكاء الأحاسيس والمشاعر بعظمة اليوم الوطني الذي تحققت فيه الوحدة لهذه الأقاليم. * وكيل إمارة القصيم المساعد للشؤون الأمنية