ما من شك أن رتابة واستمرار مكث الإنسان في مكان واحد أو في ناحية من نواحي الأرض سواء كان رجلاً أم امرأةً وأطفلاً، وخاصة من يقوم بمجهودات بدنية أو فكرية، يكل ويمل، ويحاول أن يجد متنفساً ومعبراً يخفف عنه وينسيه ما يثقل كاهله أو فكره المجهد من أحمال الهموم ومتاعب الحياة. فإن مكث مكانه للاستجمام لم ينفعه ذلك حيث تتداعى عليه الهواجس والأفكار من كل جانب، لذا يحاول النزوح والفرار إلى مكان آخر مغاير لمحيطه ومكان إقامته في هذه الدنيا ليجدد نشاطه وخلاياه الجسمانية.. وهذه طبيعة معظم البشر حتى وفي أنواع المأكل وسائر أنواع الأطعمة والمشارب.. حيث قال سبحانه في محكم كتابه العزيز حكاية عن بني إسرائيل: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ..}.وما نشهده الآن في كل صيف من نزوح الكثير من العوائل والمصطافين من منازلهم في أرتال طويلة متتابعة من المراكب الأرضية تضيق بها الطرق من كل جانب من أرجاء هذا الوطن الرحب، ومن تزاحم المسافرين في الصالات الداخلية والدولية معاً لتحلق بهم - بنات الجو - مسرعة في أجواء الفضاء إلى حيث يشاؤون من اصقاع الدنيا.. إلا دليل قاطع على حب التنقل من جو إلى آخر لإمتاع النظر في آفاق المعمورة وإن نأت. ولقد أجاد أبو الطيب المتنبي حيث يقول حاثاً على إعطاء النفس نصيبها وحظها من ما يلذ لها وتأنس به من متع الحياة: ذر النفس تأخذ وسعها قبل بينها فمفترق جاران داراهما العمر فالرحلات ممتعة وحلوة وأحلاها سياحة الإنسان مع أسرته وأطفاله داخل وطنه الحبيب، فهو يسر كثيراً حينما يشاهد أطفاله في فرحهم يتسابقون على مزاولة هواياتهم في بعض المتنزهات السياحية جيدة التنظيم والنظافة، والترتيب، فما أشبه أولئك في مرحهم ولعبهم بأسراب الطيور في حركاتها وطيرانها، وفي تغريدها طرباً وتنقلها من غصن إلى آخر، ومن شجرة إلى شجرة، كما أن النساء لا يقلن عنهم فرحاً وغبطة بل ويسررن بسعادة فذات أكبادهن، لأن في السياحة ترويح للقلوب وتسريح للهموم، وما أحسن قول الشاعر: قم نقل العين إن العين تشتاق ومتع النفس إن هزتك أشواق فالسياحة داخل الوطن كلها أمان واطمئنان والتخطيط لها مسبقاً قبل الشخوص بتحديد خطة السير نحو الجهات التي ستقصد وتؤم أفضل، ومحاولة اختيار الأماكن الأقل ازدحاماً أهدى وأقل كلفة، ولا سيما إيجار المساكن وخلافها من متطلبات المصطافين مما يشجع على الاستقرار مدة أطول في تلك المتنزهات. ولو اقتصر كل عام على زيارة ناحية من نواحي هذا الوطن الرحب لكان مردود ذلك أجدى ثقافياً ومادياً ونفسياً للتعرف على بعض معالم الجهة التي يمكث فيه متريثاً، على حين أن المرور الخاطف بكل بلد أو متنزه لا يجدي حيث لم يترك جديد لقابل الاجازات السنوية المتكررة. فالترتيب لزيارة الأماكن التي لم تطأها أقدامهم فيه تشويق وتنشيط للنفوس. لذا يتضح أن السياحة الداخلية كلها متعة وفائدة ولا سيما في هذه الأزمان التي توفرت فيها وسائل الراحة، والمتنزهات الحافلة بكل ما يؤنس الأسرة وأطفالهم مع العلم أن لجان التنشيط السياحي والبلديات في كل مدينة تقوم بمجهودات طيبة للترغيب والتشجيع لزيارة المتنزهات المخصصة للسياحة، كما أن دور الهيئة العليا للسياحة ممثلة في صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز بارز في كل جانب من أنحاء هذا الوطن لإسعاد المواطنين وأسرهم تحت ظل حكومتنا الرشيدة التي تسعى جاهدة في تطوير المصايف والمتنزهات وسائر المرافق الحيوية، وبذل المبالغ الطائلة لرفاهية المجتمع السعودي، والمقيمين بهذا الوطن .. أثابهم المولى وسدد على طريق الخير خطاهم.