يمتد أثر البيئة الأسرية (البيت) في تربية الطفل من مولده حتى نضوجه، إلا أن وظيفة البيت في الواقع تتركز في الطفولة المبكرة حتى سن السادسة حين يلتحق الطفل بالمدرسة؛ إذ أن هذه الفترة تحديداً لها خطورتها وأهميتها من حيث أنها تعتبر دعائم نمو الطفل في كافة مظاهر حياته، ثم تقوم المدرسة بدور لا يقل أهمية عن سابقه في إعداده إعداداً كاملاً للحياة؛ لأن المدرسة تكمل رسالة البيت من جهة وتعده لحياة الواقع والمستقبل من جهة أخرى. فالمدرسة وهي البيئة التربوية الثانية ينتقل الطفل إليها ومعه غرائزه واستعداداته الطبيعية وما اكتسبه في أسرته من عادات وتقاليد.. ونظراً لطول الفترة التي يقضيها الطفل في التحصيل العلمي وتعدد مراحل النمو التي يقطعها أثناء التحصيل الدراسي وخطورة بعض تلك المراحل من حيث تكوينه وتربيته، كل ذلك يجعل المدرسة من أهم البيئات وأخطرها في ميادين التربية والتعليم التي عليها مسؤوليات جسام في إعداد النشء؛ إذ تفرض عليها هذه المسؤولية العلمية والمراحل العمرية للطفل عدة التزامات تجعل المجتمع ينتظر من المدرسة إيجاد التفاعل الحسن المثمر لهؤلاء الطلاب مع كافة أفراد ومؤسسات المجتمع الخارجي. وأول واجبات المدرسة - من وجهة نظري - أن تكون صورة مصغرة مهذبة للمجتمع تهيئ نفسها للكشف عن مواهب الفرد واستعداداته لتنمية قدراته، وتقوم بتوجيه شخصيته نحو مُثُل عليا ارتضاها المجتمع، وتمكنه من العمل والنشاط والإنتاج، وتوفر له أسباب السعادة حتى يصبح عضواً عاملاً يخدم نفسه ومجتمعه الذي يعيش فيه بنفس راضية طموحة.. وقبل هذا وذاك ينتظر من المدرسة أن تعمل ما في وسعها لتقوية عوامل الولاء والانتماء في نفسية الطفل تجاه مجتمعه وقيادته ووطنه، وتركز اهتمامها الأقصى على المحافظة على دينه والعادات والقيم والأعراف والتقاليد المقبولة في المجتمع. وما دام الواجب يقتضي أن تقوم المدرسة بكل تلك الأعباء والمسؤوليات في سبيل التربية الوطنية الصحيحة، إذاً ينبغي أن تجعل المدرسة حياتها قريبة الشبه بحياة المجتمع في جده ولعبه، وأن تهيئ الفرص لأبنائها ليمارسوا حياة اجتماعية واقعية، وأن يكون المجتمع المدرسي داخلها وثيق الصلة بالمجتمع خارج نطاقها، وأن يتدرب فيها الناشئ على طرق التعامل الأمثل مع المحيطين به حتى يستطيع أن يكتشف مقومات الحياة وقيمتها بنفسه ويدرك حقوقه وواجباته نحو نفسه ونحو الناس. ومن أجل ذلك، وكما هو معلوم لإخواني رجال التربية والتعليم، فقد سعت المدرسة إلى جعل مناهجها مرتبطة بالبيئة الخارجية وإمكانياتها، وإلى جعل أساليبها التربوية مرنة تسمح بالتجربة ومحاولة الصواب والخطأ، كما عملت المدرسة على تعديل خططها حتى تشمل رعاية الشباب خلال ساعات التحصيل وفي أوقات الراحة أثناء أيام الدراسة وخلال العطلات، وأدخلت التربية الرياضية والتربية الاجتماعية والتربية الفنية كنواحٍ مهمة في التربية من أجل إكمال رسالة المدرسة، كما شجعت على إنشاء الجمعيات المدرسية والنشاط اللا منهجي تدعيماً للتربية الاستقلالية والذاتية للطلاب في أعمارهم الغضة.. كل ذلك من أجل أن يكون اتجاه المدرسة اجتماعياً، وحتى تكون الخدمة التربوية والاجتماعية محققة لأهداف وتطلعات الدولة والمجتمع. ولا يمكننا في هذه الناحية أن نغفل أن التلميذ وسيلة صالحة لنقل أساليب المدرسة إلى البيت إذا أحسن البيت استقبالها وكان عاملاً مساعداً ومنشطاً لتشجيع الطفل على ممارسة ألوان شتى من نشاطاته وهواياته في بيته. فالهواية التي يحبها الطفل والتي عملت المدرسة على اكتشاف قدراته فيها وميوله نحوها ومساعدته على ممارستها ينبغي ألا تقتصر على المدرسة بل يجب أن تساعد الأسرة ابنها لتمتد هذه الهواية إلى البيت، وأن يُمَكّن من ممارستها في نزهته ورحلته ومخيمه وأينما حلّ أو ارتحل، ولا بد من مساعدة الابن وتشجيعه بمختلف الوسائل لتنشيط قدراته واستثمارها، وأن يتابع ولي أمر الطفل نشاط أبنائه باهتمام زائد، ويشعرهم بأن هواياتهم المفيدة لها أثرها الطيب وانعكاسها الإيجابي على حياة الأسرة.. ومن المعلوم أن الطفل الذي يفخر بهوايته يعتز بنفسه وبيته ومدرسته ومجتمعه، وهو من ناحية ثانية يضع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ما تعلمه من هواية ونشاط تحت تصرف الآخرين من أعضاء أسرته أو أساتذته، وقد يكون سبباً في نشر هوايته بين غيره من صغار الأسرة وكبارها وبين زملائه وأقرانه في المدرسة والحي، بل قد يكون عاملاً من عوامل استفادة أهله بوسيلة من وسائل الارتزاق والكسب ورفع المستوى الاقتصادي.. وهكذا نجد أن للترويح أبواباً متعددة يدخل منها إلى البيت والأسرة والمجتمع، ويعزز نقاط الكفاءة والمقدرة في نفسية الطفل، وأن له شأنه في تربية النشء وفي حياة الجماعة، وله دوره عند تقويم الحياة الاجتماعية ومعرفة مقوماتها.. وبالله التوفيق. * مدير عام مركز التدريب والبحوث الاجتماعية - وزارة الشؤون الاجتماعية email: [email protected]