* من قراءاته المكثفة وتأمله وخدمته في الميدان التعليمي، ومن اشتراكه الواعي في النشاطات الأدبية والثقافية يتبين مدى اهتمامه بالمستوى الأفضل للتعامل الأدبي، وعنايته الرائدة بالارتقاء بمستوى الفعاليات الثقافية والأدبية، ونوعية الطرح وقيمته المثلى. وفي النقد له رأيه الصريح، ونظرته الثاقبة المعبرة التي لا تتجاوز الحقيقة، ولا تتردد في المكاشفة الصريحة الواعية طموحاً إلى الإبداع والتعبير الأمثل. في تناوله التعبيري نثراً وشعراً ندرك مصداقيته وجدتيه وحماسه عبر إسهامه في تنمية الوعي الثقافي والأدبي بعد أن بذل قصارى جهده في تطوير أدواته التعبيرية وتنمية مخزونه الفكري والثقافي. - إنه الأستاذ الدكتور محمد العيد الخطراوي. في رحاب المدينة ولد الشاعر محمد العيد الخطراوي عام 1354ه - 1935م، وفيها تلقى تعليمه من البداية. حصل على (ليسانس في الشريعة) من جامعة الزيتونة بتونس عام 1374ه - 1954م وعمل في ميدان التعليم مدرساً بمدرسة العلوم الشرعية الابتدائية بالمدينةالمنورة عام 1375ه ثم انتقل إلى المجمعة ليعمل مدرساً بالمعهد العلمي الثانوي بها من عام 1376 حتى 1379ه. حصل على بكالوريوس في اللغة العربية من كلية اللغة العربية بالرياض عام 1379ه ثم عمل مدرساً بالقسم العالي بمعهد إمام الدعوة بالرياض لمدة ثلاث سنوات حتى عام 1382ه ثم عمل مدرساً بكلية الشريعة بالرياض لمدة سنة واحدة. ولعشقه للتاريخ ورغبته في مواصلة طموحه المعرفي فقد التحق بجامعة الملك سعود بالرياض ليحصل على (بكالوريوس في التاريخ) منها عام 1383ه. ثم عمل مدرساً للغة العربية بمدرسة طيبة الثانوية بالمدينةالمنورة من عام 1383ه وفي عام 1391ه عين وكيلاً لهذه المدرسة. وفي عام 1394ه وكل إليه تأسيس مدرسة قباء الثانوية بالمدينة وإدارتها حتى عام 1400ه وخلال عمله بها حصل على الماجستير في الأدب والنقد من جامعة الأزهر بالقاهرة عام 1395ه ثم الدكتوراه عام 1400ه - 1980م. التجربة الشعرية لدى الخطراوي من قراءة سيرته الذاتية وأعماله الشعرية يتبين أن الشاعر الدكتور محمد العيد الخطراوي يمتلك ذائقة شعرية وموهبة تعبيرية فذة استطاع بها أن يعبر عن معاناته وهمومه الذاتية والإنسانية والاجتماعية تعبيراً يهز الهواجس ويؤثر في النفوس، ويؤكد حضوره في الميدان الأدبي بحضوره واشتراكه في الفعاليات الفكرية والأدبية التي لم تعزله عن العطاء الشعري وإنما أسهمت في مضاعفة إحساسه ومسؤوليته، فنشهده يطرح التساؤلات ويدير الأمسيات والندوات الشعرية عبر الأندية أو البرامج الإذاعية والتلفزيونية وينطلق من بينها ليعبر في لوحات شعرية عن هواجسه ومعاناته وأحداث أمته ووطنه شاهداً على عصره ومرحلته. يحدثنا الشاعر الدكتور محمد العيد الخطراوي عن تجربته الشعرية منذ البداية فيقول: (بدأت علاقتي بالشعر في سن مبكرة نسبياً.. ربما كان ذلك في سن العاشرة حين كنت أزاول حفظ القرآن الكريم، حيث كنت أخربش أحياناً كلاماً شبيهاً بالشعر في آخر اللوح (درست القرآن على الطريقة القديمة، وذلك بوساطة اللوح) وأذكر أنني نسيت ذات مرة أن أمسح ما خربشت ووقعت عليه عين المعلم المؤدب وكانت ثقافته محدودة، رحمه الله، فلم يعجبه ذلك، وثار في وجهي، وعاقبني، وحذرني من أن أكون من الشعراء لأن الشعراء سبهم الله في سورة الشعراء، وكانت بالنسبة لي صدمة كبيرة وعانيت في داخلي صراعاً رهيباً، وعشت ممزقاً فترة طويلة، لأنني لا أحب أن أكون ممن سبهم الله، وفي الوقت نفسه لا أستطيع مقاومة الإغراء الجامح الذي يدعوني لقول الشعر، غير أنني بحمد الله بعد فترة حللت المشكلة ووجدت من أقنعني بخطأ مقولة ذلك المعلم، فواصلت الرحلة في أمان. وهكذا يتضح لك أنني لم ألقَ توجيهاً ولا تشجيعاً على قول الشعر، على العكس تماماً لقيت العقاب والتثبيط، وإذا كنت قد أمسكت عن كتابته فترة في ذلك الحين، فقد ظللت أمارس حفظه سراً، فحفظت للمتنبي، وأبي تمام وأبي العلاء وغيرهم، ولعل ذلك الحفظ مما ساعد على ترسيخ ملكة قول الشعر لدي، وصقل موهبتي، وأمدني بعد ذلك برصيد لغوي وصوري ممتاز غير أن الحفظ للشعر القديم وحده، كاد يحصرني في إطار معين لا أتعداه، لو لا أن كسرت الطوق بعد ذلك، وانطلقت في كل صوب). وعن تأثير الواقع الثقافي على موهبته يقول الخطراوي: (أعتقد أن للواقع الثقافي أثراً بالغ الخطورة على موهبة الشاعر، فهو إما أن ينعشها ويصقلها وينميها، وإما أن يخنقها ويميتها ويقضي عليها. الواقع الثقافي المتكمل الناضج هو المناخ الملائم الذي يتنفس فيه الشعر، وينطلق فيه الشعراء، هو الذي يدفع إلى الإبداع. ويعين على الابتكار هو الذي يفجر الطاقات الحبيسة ويفك عقلة اللسان، ويزكي حركة الوجدان، ومن جهة أخرى يهيىء للشاعر فرصة الانفتاح اللا محدود على الثقافة العالمية، ويتيح لأعماله وسائل الانتشار في ظل هذا الواقع الثقافي يحس الشاعر بذاته، ويشعر بإنسانيته فينطلق إلى تحقيق العظائم، فالشاعر على هذا النحو مدين للواقع الثقافي الذي يعيش في داخله، بكل شيء، مدين له في تكوين وتوجهات، ومدين له في استمراره على القول وقدرته على مواصلة الإبداع(1). وفي أول إصدار شعري له بعنوان (غناء الجرح) يتناول الجراح والمعاناة فيعبر عنها في قصائد هذا الديوان، ومنها قصيدة تحمل العنوان نفسه (غناء الجرح) يقول فيها: لهفة الشوق تبعث الحلم حيا يتهادى على ذراع الثريا يطأ الحاضر الذليل.. ويلقي بنثاراته مكاناً قصيا ثم يلوي به الطموح إلى أن يجعل الشهب مركباً ونجيا أي لوم على السجين إذا ما حن للفجر مشرقاً وضيا دفقات الضياء تبعث فيه أملاً في الخلاص عزماً فتيا لاهباً بالحماس يكسو ربانا حلل النصر بكرة وعشيا ظِلُّنا مشمس.. ولكن رؤاه أرهقتها الآلام نشراً وطيا فتراقصن في الضياء فراشاً أنشب الموت فيه ظفراً قويا يتهاجى الفراش.. والجرح ثاغ يلعن السادرين جهلاً وغيا(2) وقد كان الشاعر الدكتور محمد الخطراوي تقليدياً في إصداره الشعري الأول (غناء الجرح) حتى في كتابته مقدمة نثرية للديوان أهدى فيها قصائده التي تتناول الجهاد وعدداً من الهموم الذاتية والتأملية - إلى أرواح الشهداء يقول فيها: (إلى أرواح شهداء اليرموك الأبرار الذين ركزوا راية التوحيد في الأرض التي بارك حولها رب العزة واتخذ منها لرسوله محمد عليه الصلاة والسلام منتهى لمسراه ومنطلقاً لمعراجه. إلى أرواح شهداء حطين الذين أعادوا فيها للإسلام بهجته وسلطانه، وعلموا البشرية جميعاً أن الدين كله لله. إلى شهداء معركة قلقيليا، ودير ياسين، والكرامة، وتل الزعتر، وأخوات لهم في ذاكرة التاريخ)(3). وفي مجموعته الشعرية الثانية الصادرة بعنوان (همسات في أذن الليل) كرر كتابة المقدمة، ولكنها في هذا الإصدار جاءت تصديراً وليس إهداء وهي من منشورات نادي المدينةالمنورة مثل المجموعة الأولى إلا أنه لم يذكر تاريخ إصدارهما، وإنما تبينت ذلك من تاريخ المقدمتين حيث سجل تاريخ مجموعة (غناء الجرح) في 1-6-1397ه وتاريخ مجموعة (همسات في أذن الليل) في 1- 7-1397ه وهاتان المجموعتان متقاربتان في مستوى القصائد وتقليديتها، ربما لتقارب تاريخ ميلادها وفي اعتقادي أن تقديم الشعر بمقدمات نثرية لا داعي له، ولكن شاعرنا الخطراوي يصر على تقديم مجموعاته الشعرية بمقدمة أو إهداء يتفنن في الصياغة التعبيرية فيها. وقد افتتح مجموعته الشعرية هذه بقصيدة عنوانها (ميلاد جديد) تذكرنا بقصيدة الشاعر نزار قباني التي افتتح بها ديوانه الشعري (الأعمال الشعرية الكاملة)(4) بعنوان (ورقة إلى القارئ) يقول فيها: كميس الهوادج.. شرقية ترش على الشمس حلو الحدا كدندنة البدو فوق سرير من الرمل ينشف فيه الندا ويقول الدكتور في قصيدة (ميلاد جديد)(5). حياتي كهف بعيد المدى يموت على ناجذيه الصدى وفي جانبيه تئن الرياح وتحثو على حافتيه الردى كآه تكسر بين الشفاه تمزق أحشاء سعد بدا وتمحو البريق بقلب محب أبى حظه النكد أن يسعدا وعمري ليل جريح النجوم صفيق المحيا ثقيل الحدا وفي غمرة الحزن والجدب ثاو يسير هباء ويمضي سدى ولما عرفتك يا حلوتي عرفت بدربي طريق الهدى ويظهر التأثر بنزار واضحاً في أبيات هذه القصيدة، ومن هنا نتساءل عن مدى تأثر الشاعر الخطراوي لما قرأه من الشعراء فيقول في إجابته على أحد التساؤلات المشابهة لهذا التساؤل: (إذا كانوا يعنون بذلك تقديري للقديم فإن ذلك يملؤني فخراً واعتزازاً أما إذا كانوا يعنون أنني مقلد في كل شعري للقدماء روحاً وأسلوباً، معادٍ للتجديد أو قاصر عنه غير بالغ شأوه فإنني أقول لصاحب هذا القول سامحك الله. أعد قراءة شعري وستجد فيه ما لم يقله الأولون ولا حام حوله كثير من المعاصرين. نعم أحس دائماً أنني لم أقل القصيدة التي أريدها بعد، فالقصيدة التي أريدها هي التي لم أقلها بعد. إنه الطموح على كل حال)(6). - ولابد لمعرفة مستوى التغير والتجاوز في شعر شاعرنا الخطراوي أن نقرأ جميع ما نشر في مجموعاته الشعرية لنتلمس الفارق في الإبداع والابتكار فقد أصدر عدداً من المجموعات الشعرية منها ديوانه (مرافئ الأمل) الذي تناوله الدكتور محمد بن سعد بن حسين وقال عنه وعن أسلوب الخطراوي في نشر شعره: (من طبيعة الأعمال الأدبية أنها لا تجيء على وتيرة واحدة بل تختلف اختلافاً قد يكون في بعض الأحوال شاسعاً والذين نجد أعمالهم الأدبية تأتي على وتيرة واحدة هم رجال - في الغالب - يتخيرون ما ينشرون من أعمالهم ويطوون الباقي، وقد يصنفونه في ديوان آخر يظهر مستواه واحداً فلا يظهر التباين ظهوراً جلياً، وزميلنا الأستاذ الدكتور الخطراوي فيما قرأت له يظهر لي أنه لا يسلك مسلك التخيربل يصنف الديوان حسب موضوعات يراها أولى بالتجاوز وأكثر ما لم يعجبني من شعره هو ذلك الذي لا تألفه الأذن العربية. وهذا ما يجعل مناط عدم الإعجاب جزئياً ينحصر في جزئيتين من جزئيات الشكل)(7). * وقال الأستاذ محمد عبد القادر الفقي في مقدمة تناوله لأسلوب الشاعر د. محمد الخطراوي في ديوان (مرافئ الأمل): (الشاعر محمد العيد الخطراوي واحد من أبرز شعراء الأصالة والمعاصرة السعوديين، وهو فنان بارع يجيد رسم لوحاته الشعرية، يدقق في اختيار الألوان الدافئة، ويتألق في رسم خطوط صوره وفي تزيينها بالظلال، وفضلاً عن ذلك فهو مغرم بالغوص في الماضي باحثاً عن الجمال ومنقباً عن درر الأفكار. إنه يعايش التاريخ العربي والإسلامي، يتنفسه كالهواء، وينفعل به وبأحداثه العظام، رابطاً بين ما يستجد على ساحتنا العربية حالياً وبين الوقائع التي تتشابه مع أحوالنا، التي ربما تراكمت فوقها أتربة النسيان. وهو يمتلك قدرة كبيرة على مزج الحاضر بالماضي، واستدعاء شخصيات الأمس لتحكي لنا عن المواقف التي تعرضت لها. وللخطراوي - إلى جانب ذلك - إحساس شاعر رهيف، يستطيع أن يسبر بنا أغوار الشعور واللا شعور، وتسعفه في ذلك قريحة خصبة، وسليقة فطرية ناضجة، وثقافة عريضة، ولغة طيعة تنقاد إليه. وربما كان عمله أستاذاً أكاديمياً متخصصاً في النقد الأدبي وفي الدراسات العربية والإسلامية ذا أثر كبير في تفتح شاعريته على هذه الجوانب المتعددة)(8). ويقول الأستاذ محمد الفقي عن قصائد ديوان (مرافىء الأمل): (وقصائد الديوان تبوح بالكثير وتفوح بالكثير. تبوح بالتمزق الداخلي الذي يعاني منه الشاعر نتيجة إبحاره في خضم بحار هذه الحياة باحثاً عن (مرافئ الأمل) التي يرسي عندها قاربه، ولكن أنى له هذا فقد كتب علينا أن يكون الشقاء بكل أبعاده حين يصل إلى ما يظن أنه المرفأ الذي ظل مبحراً أملاً في النزول والهبوط فيه، سرعان ما يصاب بخيبة الأمل إذ عليه أن يقف ليستأثر فلا يؤثر له، ويستأذن فلا يؤبه لاستئذانه فيرتد حسيراً ليعود إلى عالم الضياع أو الغربة، فإن كان مؤمناً قضى بقية حياته في عالم الغرباء كشاعرنا. هجرت كل مواويلي التي شربت من غربتي، وكارتوت من أعين السهر واحتلني الصمت لم تحفل بذاكرتي مشانق الحرف، أو تجفل من الخبر(9) تفرمني المواني دونما سبب غير الوفاء لها والصدق في السفر وعن توظيفه للتراث في شعره يقول الباحث الفقي: (والخطراوي مغرم بتوظيف التراث في الشعر. فهو يقتبس من القرآن الكريم مثل قوله: أنت التي أنقذتها.. أعدت فيها نضرة النعيم.. بعثت فيها الروح من جديد.. فأقبلت تستمطر الحياة.. فقوله: أعدت فيها نظرة النعيم.. مقتبس من قوله تعالى: ( تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ) (10) كما يضمن أشعاره آياً من القرآن الكريم كما في قوله في قصيدته (فلما أفل) وهي قصيدة عنوانها مأخوذ من قوله تعالى: ( فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) ) .11 . ( - وهذا الاقتباس من القرآن الكريم ليس بغريب على من نشأ في رحاب المدينةالمنورة وتنورت رؤاه وثقافته بما تلقاه من العلماء الذين استفاد منهم وتتلمذ عليهم منذ الصغر وكانت ثقافته ونشأته دينية. * وديوان (مرافئ الأمل) الصادر عام 1413ه متقاربة قصائده في المستوى والصياغة من ديوانية (تفاصيل في خارطة الطقس) الصادر عام 1411ه و(حروف من دفتر الأشواق) الصادر عام 1410ه. وحين نقرأ قصائد من ديوان (حروف من دفتر الأشواق) نلمح تأثر الشاعر محمد الخطراوي بنماذج من الشعراء المبدعين، تستوقفنا قصيدته (العبير والمطر) لنشم في عبيرها روائح الشاعر بدر شاكر السيّاب في قصيدة الشهيرة (أنشودة المطر) حتى في ترديد عبارة المطر وإيقاعات زخات المطر المنسجمة مع هواجس الشعر في الذاكرة الشعرية، وقد تأثر بقصيدة السياب كثير من الشعراء منهم شاعرنا الذي يقول في قصيدته التفعيلية. وحين تضحكين - يا حبيبتي - ينهمر المطر.. تهب في الأغصان فتنة الثمر. فيورق الشجر، ويونق الزهر.. وترقص الأنغام في الوتر.. تذيع من شفاه الفجر روعة السحر كأنها تقول للبشر: مطر.. مطر.. مطر.. *** * وفي قصائد أخرى من هذا الديوان نلمح أصداء الشاعر أبي القاسم الشابي مثل قصيدة (حروف من دفتر الأشواق) التي تحمل عنوان الديوان، وقصيدة (يا..) وقصيدة (في حضرة الموت) فكأننا نصغي إلى صدى صوت الشابي إذ ينشد: ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر وذلك حين نقرأ قصيدة (حروف من دفتر الأشواق) التي يقول مطلعها: أتيت إليك لشوق الروابي وخفق السواقي، وهمس الزهر وقلبي يرفرف في أضلعي يسابق خطوي ولا يستقر ويركض نحوك في لهفة كركض الجداول نحو النهر وفي النفس أغنية للنشاوى بليل الهوى والصباح الأغر تجوب بي الأفق منهومة وترسمني في جبين القمر وتزرعني في الدروب نجاوى تموج بسحر الحياة النضر وليست المشكلة في تقليد الوزن والإيقاع والصياغة إنما المشكلة في تحريك سكون الكلمات لموافقة الروي والقافية كما نقرأ ذلك في (النهر) و(الزهر) و(العمر) لتنسجم مع إيقاع نهايات الأشطر بدلاً من تسكين وسط الكلمة. وتلاحقنا التقليدية في ديوان (تفاصيل في خارطة الطقس) التي يفتتحها شاعرنا بقصيدته بعنوان (أنا في طيبة) تذكرنا بقصيدة الشاعر عمر أبو ريشة الشهيرة التي ألقاها في مكة بين يدي الملك فيصل - رحمه الله - ويقول مطلعها: رد لي ما استرد مني زماني وأراني ما الحلم كان أراني أنا منه في نعمة نسي الشوق عليها مرارة الحرمان(13) ويبدو التأثر أكثر بالقصيدة اللامية بعنوان (أنا في مكة) للشاعر عمر أبو ريشة وبخاصة في ترديد الخطراوي لعبارة (أنا في طيبة) عنوان القصيدة، ونلحظ أن الشاعر عمر أبو ريشة كان يردد في قصيدته هذه (أنا في مكة) ويقول فيها: لم تزالي على ممر الليالي موئل الحق يا عروس الرمال أنا في خدرك الوضيء التفاتات ذهول، وهينمات ابتهال طالعتني فيه الحياة بأسنى ما تجر الحياة من أذيال بددت ظلمة الغواية من دربي وحلت ما صغت من أغلال وقوله: أنا في مكة، وتمضي رؤاي القهقري في مواكب الأجيال أنا في مكة، وغار حراء كوكب في جبينها متلالي(14) .... إلى آخرها. هوامش (1) الأربعاء الأسبوعي - جريدة المدينة 19-1- 1409ه. (2) ديوان غناء الجرح ص 22، 23. (3) المرجع السابق ص 5. (4) الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر نزار قباني. ط. (5) ديوان همسات في أذن الليل إصدار عن نادي المدينة الأدبي للشاعر. (6) ملحق الأربعاء الأسبوعي 19 محرم عام 1409ه. (7) مجلة الحرس الوطني - جمادى الأولى 1415ه ص 106 - 107 مقال للأستاذ محمد بن سعد بن حسين. (8) المرجع السابق ص 11. (9) المرجع السابق. (10) آية 24 من سورة (المطففين). (11) آية 76 من سورة (الأنعام). (12) المرجع السابق المجلة ص 110. (13) ديوان (أمرك يا رب) للشاعر عمر أبو ريشة ص 23. (14) المرجع السابق 37، 38، 43.